“لم يكن يهمني نوع الطعام الذي كنت أحمله في طبق يُسمى السكبة بقدر ما كنت أفرح بحملي شيئًا بين يدي سيسعد جيراننا كما كانت تسعدني سكبتهم” بهذه الكلمات تذكرت فاطمة 58عامًا من مدينة إدلب عادة سكبة رمضان بين أهالي الحي.
“سكبة رمضان” هي جزء من طعام الشخص يوزعه على من حوله، وهي عادة رمضانية قديمة متوارثة بين السوريين، حيث يَلقى هذا الشهر اهتمامًا بتوزيع الطعام أكثر من باقي الشهور، يتبادل خلاله الجيران أطباق رمضان مع بعضهم، ويتشارك الغني مع الفقير بلقمته بهدف زيادة الألفة والمحبة فيما بينهم.
وتضيف فاطمة: ” السكبة في رمضان تزيد البركة، لقد أيقنت ذلك حين كانت أمي تطبخ صنفًا واحدًا من الطعام، إلى جانبه صحنًا آخر من المقبلات، وكنت أعترض على ذلك إلا أنها كانت تقول لي: إن “رمضان كريم”، لم يكن جوابها يقنعني حينها، لكن ما إن يقترب موعد آذان المغرب حتى يبدأ تبادل الأطباق التي يحملها الأطفال أو النساء، فتمتلئ مائدتنا بأصناف متعددة، فأدركت فعلًا أن “رمضان كريم مبارك”.
تعد “السكبة” في الإسلام من الصدقات، وهي عبادة تقرب المسلم من ربه وطريق إلى الجنة، قال الله تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيمًا وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً”.
كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من فطّرَ صائمًا كان لهُ مثلَ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”. إذًا “السكبة” ليست مشاركة في الطعام وحسب، بل لها أجر عظيم عند الله، وإعانة للفقراء الصائمين على إتمام طاعاتهم.
أغلب العادات الرمضانية تبدلت بسبب الحرب، إلا أن عادة “سكبة رمضان” مستمرة مع تراجع بسيط، فالوضع المعيشي المتردي قد لا يُمكّن الأسرة من تأمين وجبة إفطار اليوم، إضافة إلى أن الجيران باتوا لا يعرفون بعضهم بعد أنّ هجرهم النظام مؤخرًا إلى الشمال السوري، ولربما يكون اختلاف الأطباق أيضًا سببًا في تردد بعض النسوة “بسكبة” لجارتها الجديدة المجاورة.
نسرين من “الزبداني” في ريف دمشق وحاليًا تقيم في معرة مصرين أكدت لــصحيفة حبر أن للسكبة في رمضان أثر جميل في نفوس الصائمين، فهي توطِّد المحبة وتقوي العلاقات الاجتماعية بين الجيران أو الأقارب في الحي، فإحدى غايات الصيام هي أن يشعر الصائم بغيره من الفقراء وحاجاتهم وجوعهم، مشيرة إلى أن هذه العادة ماتزال مستمرة في المنطقة التي تعيشها حتى خارج رمضان وإن كانت بنسبة أقل.
في شهر رمضان تغزو المشاريع الغذائية الشمال السوري من إعداد وجبات توزع عن طريق المنظمات إما في الأحياء أو الجوامع أو الحدائق أو المخيمات لمساعدة عوائل الأيتام والمعتقلين والمحتاجين والمهجرين، أو عن طريق موائد جماعية أو سلات غذائية رمضانية، فما إن ينتشر في الحي خبر توزيع وجبات غذائية بين الأهالي يسرع الكبار والصغار للاصطفاف حول السيارة للحصول على وجبة، البعض يستلم وجبة وآخرون ينصرفون دون أن يبلغ هدفه في الحصول عليها.
تقول “سمية” 46 عامًا إحدى الأرامل في مدينة إدلب: “هذه الوجبة تشبه البنج أو مسكن الألم، فهي لا تكفي كل أطفالي، والحصول عليها أمر صعب بسبب الازدحام، وفيه ذل بالأخص حين يلتقط أحد العاملين في المنظمة القائمة على المشروع صورًا لمن يستلم الوجبة، أما “السكبة بين الجيران” تختلف تمامًا بما تحمله من كرامة عن تلك الوجبة المُهينة”.
وكما تختلف السكبة من حي لآخر كذلك المنظمات تختلف في طريقة تقديمها للوجبات الرمضانية، فغالبيتها باتت تقدم السكبة عبر مراكز تابعة للمنظمة لأفراد وثَّقت أسماءهم مسبقًا عن طريق الحصول على بياناتهم ممن يستحقون المساعدة.
أما بالنسبة إلى السوريين المهاجرين إلى الدول الأوربية والعربية المجاورة فأصبحت السكبة ذكرى جميلة في أذهانهم إلا في حالات نادرة، فالمجتمع هناك يختلف كليًا بعاداته وتقاليده، ويكتفون بتبادل صور الموائد والأطباق وطرق تحضيرها عبر الإنترنت.
بغض النظر عن التغيرات التي طرأت على هذا الطبق “السكبة” إلا أنه ما يزال كفيلًا بإنهاء كثير من الخلافات ويبعث برسائل الحب والسلام بين مكونات المجتمع الواحد، حيث يميل المسلمون للإصلاح خلال الشهر الفضيل حتى وإن كان طبقًا يحوي طعامًا بسيطًا.