لا تحدث الهزيمة لشعب ما دون أن يكون المجموع الشعبي في معظمه قد تقبل وقوعها، أو قد يرى فيها أحد طرق الخلاص من فوضى مرهقة لم يعد يدرك فيها ما يريده أو الأهداف التي يقاتل في سبيلها.
إن التشتت على مستوى الأهداف وعدم وجود رؤى جامعة تجعل مطلب الخلاص يتربع في قمة المطالب الجمعية لتأتي بعدها فوضى المطالب الفارغة بالنسبة إلى المجموع، إذ لا يوجد نسق واضح يجمع هذه المطالب أو رؤية منظمة تجعل تحققها أمراً ممكناً، تكثر هنا المجموعات والجماعات وكل منها يصبح لديه فلسفة خاصة للمرحلة التي هي محل النزاع، وللتصور الذي سياتي بعدها مما يجعل الصراعات البينية ولو على المستوى الفكري أمرًا مرهقًا للعامة الذين لا يجدون أي هدف واضح من الممكن التجمهر حوله.
حتى الحرية في حالتنا السورية التي تعتبر المفهوم الأكثر جمعاً للمجتمع الذي يتبنى الثورة أصبح مفهوماً غير واضح ومفسرًا بإيديولوجيات متعددة ومتنافرة تظهر كأنها في أقصى اليمين واليسار، ولا يسمح المجتمع هنا لأي تيار معتدل بالظهور لأن سرعته في تصنيفه يميناً أو يساراً يرهقه في محاولة غير منتهية لتفسير مقولاته في كل مرة.
في حالة كالتي نعيشها من الصعب جداً إمساك العصا من المنتصف لأنها ستبدو أكثر قلقاً وأقل توازناً وأكثر عرضة للفوضى عندما يتم الضغط على أحد طرفيها، ويصعب أكثر حشد الناس (الذين يؤمنون بالتصنيف الحاد) على أحد الجانبيين ليكونوا عامود الثبات أو التوازن الذي يعيد للمجتمع شيئاً من رؤية أهدافه الواضحة.
تصبح القوة والقدرة على الحسم هنا أكثر ما يجذب الجماهير، وأكثر ما يريحها حتى ولو كانت هذه القوة ظالمة، لأن الانتظار حتى تنتظم المقولات ويكون لها جمهورها الذي يفهمها بلغة مشتركة وقادر على الدفاع عنها، يعني وقتًا أطول من المعاناة مع عدم الوثوق بالنتائج أصلاً.
في مثل هذه الأوقات تصبح الهزيمة خياراً والاستسلام مطلباً وهو نوع من أنواع الخلاص والاستقرار حتى لو كان هذا الاستقرار على حساب الحياة، وهنا ينشأ نوع من الانتحار المرضي عندما يبلغ اليأس مداه.
لا يخرج المجتمع من هذه الدوامة عادة إلا بحسمٍ عن طريق القوة، أو حلٍّ يفرضه الأمر الواقع ليتفرغ فيما بعد لإنضاج مقولاته، أو في أحيان قليلة غير مجربة بانتفاضات جديدة واعية تعيد تأطير الأهداف بوضوح ويقودها الزخم الواعي وليس العامة كما حدث في الشرارة الأولى، وعلى مثل هذا مازلنا نرى نحن السوريين كسوريين لم شتاتنا، نحن الذين مازلنا مؤمنين بأهدافنا ونستطيع تعريفها بوضوح وقوة ومستعدين للدفاع عنها، وإلا فالمجتمع يسير تجاه هزيمته بكامل الرضى المترع باليأس والشعور بالخذلان.
المدير العام | أحمد وديع العبسي