د. وائل الشيخ أمين |
من أهم طرق تغيير قناعات الجماهير وأفكارهم (التجربة) نعرف نحن السوريون جيداً أننا حتى بداية عام 2011 لم نكن مقتنعين أبداً بجدوى أن نقوم بثورة، لم يكن لدينا أي آمال في التغيير إطلاقاً، بدأ الأمل مع ثورة تونس، وكبُر أكثر مع ثورة مصر لولا هاتان الثورتان ونجاحهما المبدئي في إطاحة نظامي الحكم لما وصل إلينا هذا الإيمان بجدوى المحاولة.
كانت التجربة التونسية والمصرية أفضل طريقة لتغيير قناعاتنا، ولا أعتقد أن أي طريقة أخرى كان من الممكن أن تُجدي نفعاً، لا الكتب ولا الخطب ولا الإقناع ولا الحشد العاطفي ولا الدعوات الدينية ولا أي شيء آخر، التجربة العملية كانت أفضل طرق الإقناع.
وبعد أن توالت أحجار الدومينو، كان على أعداء الثورات أن يستخدموا الطريقة نفسها (التجربة) لإيقاف مدّ هذه الثورات، حتى لا تصل إلى بلدانهم ولا تهتز عروشهم.
فبدأ السعي حثيثاً لجعل الشعوب التي قامت بالثورة درساً وعبرةً للشعوب الأخرى التي يخشى أن تثور، بدأت هنا الثورات المضادة على ثورات الربيع العربي، ولعل الدرس الأقسى الذي أُريد منه أن يكون عبرة لكل الشعوب هو: الدرس السوري.
سمعنا كثيراً من سياسيين ومُطبّلين بل وعوام مقولات من أمثال: (مهما حصل عندنا أهون بكثير ممَّا يحصل في سورية، هؤلاء المعارضون يريدون أن يوصلوا بلدنا إلى ما وصلت إليه سورية…)
لقد كان للدرس السوري فعلاً الأثر الكبير كما أراد أعداء الثورات منه، لكن ربما نسي هؤلاء أن ذاكرة الشعوب قصيرة!
ستنسى الشعوب الدرس السوري قريباً، خاصة بعد أن تهدأ الأمور وتستقر، بل إن القاعدة التي تقول: (كثرة التماس تضعف الإحساس) ستجعل فاعلية الدرس السوري أقل كلما مضى الوقت.
والدليل على هذا أنه قد بدأت الثورات اليوم تعود من جديد كثورة السودان، وثورة الجزائر.
هذه الثورات التي بدأت من تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن أيقظت في نفوس العرب جميعاً قِيماً لن تموت، ربما تخبو قليلاً لكنها ستعاود التوقد، ولن يستطيع الطغاة أن يقضوا عليها.
بل سيكون هنالك جولات وجولات لهذه الثورات حتى تبلغ أجلها بإذن الله.
وقفة مع حديث:
لو كنا متصالحين مع أنفسنا فعلاً، نعمل لخير أمتنا ومجتمعنا حقًا، لنشرنا كل خير نراه، وأشرنا إليه بالبنان.
لكن، ما أقل من يفعل ذلك حتى بين العاملين! يرى عملا ًعظيماً لغيره فلا ينشره ولا يشاركه بل يتجاهله، وإن توقف عنده جعل كلمة (لكن) أهم وأكبر من كلمة (جيد)
يُثني قليلاً ببرود ثم يتوقد حماسًا عند النقد.
حظوظ نفس متضخمة حتى في نشر الخير! لا تُريد للخير أن يخرج إلا من خلالها،
ولا ينسب إلا إليها!
كنت أتعجب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدال على الخير كفاعله.”
كنت أتعجب كيف يتعب البعض حتى يصنع الخير، ثم يأتي شخص آخر فيدل عليه فقط فيكون له مثل أجره! ثم عرفت أن الدلالة على الخير صعبة ثقيلة على نفوس الكثيرين!
ولو أنهم أرادوا وجه الله سبحانه وتعالى والأجر منه لبادروا إليه، لكنها نفوس مثقلة بحظها تُريد الذكر لا الأجر.