أنا مئذنة الجامع في قلب الضيعة التي ضاعت أحلامها حين بدأ الاقتتال بين أبنائها، هذه المرة كما في مراتٍ سابقة للأسف حمل المجاهدون أسلحتهم في وجه إخوانهم من أبناء ضيعتهم أو منطقتهم، ربَّما كان الطرف الآخر أخا أو ابن عمّ، وليس جندياً في قوات نظام الأسد! يا للعجب! الحكاية لم تروَ في كتب الخيال العسكري، بل عشناها قبل أيام هنا في مكان ما في سورية.
قتل طفلان بريئان في زحمة الرصاص الذي كان يغادر بحزن وألم من مستودع بندقية أخ ليستقر في جسد أخيه!
يا للقهر! تقول الجدران التي تهدمت والبيوت التي يسكنها الرعب: ياللعار والبنادق تطلق الرصاص على صدور عارية بريئة هتفت حناجرها لوحدة صفكم في مظاهرات حاشدة رفضت ظلمكم لبعضكم كأن صدى صوت الرصاص يعود للوراء قبل سبع سنوات حين أطلق نظام الأسد الرصاص على المتظاهرين لأنَّهم نادوا حرية. !!
الزمان يعيد نفسه، لكن بوجه طغاة جدد، نوافير دماء فاضت من جسد الأبرياء، كما فاضت نوافير رصاص من ثقوب خزان الماء على سطوح بيوت الفقراء، فما ذنب هؤلاء البسطاء.
ياللخزي أقول: أنا المئذنة التي يصدح من بين حجارتي القديمة صوت الأذان “الله أكبر، الله أكبر”.
ما ذنبي أنا الصامدة الشامخة أن أكون الشاهدة على قتل الأخ لأخيه وأتلقى من أسلحتكم الثقيلة ضربات مميتة حطمت حجارتي المعتقة بعبق الإيمان وجعلتني أنا المنارة لكم في ظلماء الجهل كأنَّني حجارة معبد وثني تفتخرون بهدمه!
صرت أخجل أن أؤذن فيكم بعد الآن ودماؤكم مستباحة بينكم كأنَّها حلال وليست حرام! هل صار طبعاً عندكم قتل الصديق وذبح الحمام أم نسيتم أنَّ دم المسلم على المسلم حرام، حرام، حرام؟!