بقلم : رئيس التحرير الحقّ والباطل طرفان قديمان متنازعان متقاتلان , لم يحدث يومًا أنْ وقّعا هدنةً تُوقف القتال ، أو اتفقا على مصالحةٍ تُزيل الضغائن وتحقن الدماء , وإنّ أحدًا لم يشهدْ أنَّهما وقفا أمامَ النّاس وبوّسا شواربَ بعضهما ضاحكيْنِ , فهما عدوّان لا تكاد تهدأ الحرب بينهما حتى تشتعلَ من جديد.والباطل – كما تعرفون – مخلوق تنكريّ , عنده خزانةٌ مليئةٌ بالأدوات التي تساعده على حضور جميع الحفلات التنكرية , وعلى أن يلبسَ لكلِّ حالةٍ لبوسها, فمرةً يلبس الطقم ويربط ربطة العنق, ومرةً يلبس الجبَّةَ ويكوِّرُ العِمامةَ ويُرقِّقُ صوته ويُزركش كلامه بألوان البديع , فيوهمُ النَّاس أنَّه الحقُّ أو ابنُ عمِّه.وهو متجدِّدٌ في أساليبه وطروحاته , متلوِّنٌ لا يستقر ولا يثبت, مُخطِّطٌ استراتيجي يعرف متى يقرع طبول الحرب ومتى يخرسها , متميّزٌ بشراسته وصلابته, وباندفاعه واستماتته في سبيل تحقيق أهدافه الإبليسيّة , وهذا هو شأن أتباعه أيضًا ، فهم يقاتلون فيموت منهم الآلاف ، فيألمون ويحزنون , ثم يعيدون الكرة والحرب , ثم يقاسون ويصبرون ويصبرون , ولذلك طُلِبَ من أصحاب الحقِّ أن يتجاوزوا الصبرَ إلى المصابرة , وأن يأخذوا العبرة من أعدائهم وألا يكونوا أقلَّ عطاءً وحماسًا واستماتةً وتضحيةً .وإنَّ صراع أمتنا مع الباطل اليوم صراعٌ من نوعٍ جديدٍ يقومُ على المواجهتين المباشرة وغيرِ المباشرة , وعلى التخطيط المُحكَم قبلَ بدء الحرب ، والإعداد المتقَن قبل إعلان النفير, ولا يقوم على ردّةِ الفعل وعلى صرخةٍ يُطلقها ( كليب ) فيهبُّ لنجدته رجالُ القبيلة وبنو عمومته , وفي ساحات الحرب الجديدة لا يوجد فترات استراحة فيها تمسح الأمّة جبينها بمنشفتها المطرّزة , وتبلّل فمها بالمياه المعدنيّة المعقّمة .انظروا إلى الحملات الصليبيّة القديمة والجديدة تجدوا أنصار الباطل متكاتفين متراصين متعاونين , فلا بدَّ من أن نكونَ أكثرَ تكاتفًا ووحدة , إنّهم يكثّفون جهودهم ويجمعون باطلهم , ولا يبخلون بكلمة تقويه وتشدّ من عضده , ولا يجدون وسيلةً تضعفنا إلا واستخدموها , لقد أقسموا قبل مجيئهم إنهم لن يرتاح لهم بال ولن تقرَّ لهم عين حتى نرعى الخنازير في مزارعهم , ونمسح الأحذية في شوارعهم .لقد اجتمع الأعداء وتكالبوا , واتفقوا على قتالنا , وشحذوا الهمم وجمعوا السلاح , أمّا نحن فقد جمعنا من كلِّ فرقةٍ شعبيةٍ مُنشدًا ومغنّيًا ، وشكّلنا فرقةَ ( الحاج ديبو ) لتعزفَ للثورة وتنشدَ للثوريين ، فاختلطت أصوات القذائف بالمعازف , وبكاء اليتامى وأنين اليتامى بـ ( يا ليل ويا عين ) !جاؤونا بجيشٍ واحدٍ يرفع صليبًا واحدًا , فجئناهم بجيوشٍ لها أسماءٌ تزلزل الأرض وتخيف السباع وأفعالٌ تشمئز منها قلوبُ الذين آمنوا ..حشدوا قواتهم وافتخروا بألوفهم التي اجتمعت من الشرق والغرب , فحشدنا لهم حلقات الذكر الجماعي مفتخرةً بسبحاتها الألفيّة , وجلساتِ الحضرةِ المصحوبة بصحون الكنافة وأخواتها .لقد طاف الأعداء على أبناء جلدتنا وأخذوا منهم طائفةً تطعننا في ظهرنا , أما نحن فقد طفنا – قبل الخروج للاستلام – حول ضريح الشيخ أبي السمايح المشخروطي الذي لم يعرف أحدٌ متى وُلِدَ وأينَ عاشَ ومتى مات ؟ألسنا أصحابَ حقّ ؟ فلماذا إذًا نصفّق للباطل وأصحابه ومؤيديه , لماذا نضيع جهودنا ونبذل أموالنا ونهدر أوقاتنا ؟لماذا نخاف من الباطل ونحن الذين أجرى الله في عروقهم القوة وزرع في قلوبهم الثبات ؟ لماذا ؟