عبد الله درويشالشعوب العربية تعاني منذ الاحتلال الأوروبي لها من الفرقة والانقسام وشتى أنواع الذل، وأهم من ذلك كله فإنها تعاني من فقدانها لهويتها.تلك الهوية التي جعلت من العرب مركزاً للعالم في كل نواحي الحضارة، وأنارت عقول العرب بالعلم الذي حملوا شعلته لكل أصقاع الأرض فجاءتهم خيراتها أينما وُجِدت.ليست المشكلة في أن الضعف دب في جسم الخلافة الإسلامية، وليست في أن الاستعمار قد احتلها فترة من الزمن، إن المشكلة في فقدان الأمة لهويتها وضياع تلك الهوية في الفكر والتطبيق، يقول ابن خلدون في مقدمته : ” العرب لا يصلح حالهم ولا يرفع شأنهم إلا الإسلام “، فالعرب اليوم ليسوا على أخلاق العرب قديماً، وهم ليسوا وفق منهج الإسلام أيضاً. ابن خلدون عندما قال ذلك إنما قاله بصفته مؤسساً لعلم الاجتماع، ولم يقله بوصفه مسلماً فحسب، وقد رأى أن الأيام دول بين الناس.إن اليابان دُمِرت، ولكنها نهضت من جديد لأنها حافظت على هويتها، فلم يوقفها الدمار عن المسير في الحضارة الإنسانية، وألمانيا كذلك، ولنا في تاريخنا من الشواهد الكثيرة التي توضح عودة الدور الحضاري بالعودة إلى الهوية. أما في يومنا هذا، وفي ظل الثورة السورية، لم نزل نعاني من ضياع الهوية!( من نحن؟ ماذا نريد؟ ) لا نعرف!!فما زلنا نتخبط منذ سنوات الثورة الأولى في توصيف ثورتنا، وفي آلية عملنا، تكلمنا كثيراً في سبل وحدتنا فلم نجد إلا شقاقاً وبعداً، ازدادت فرقتنا وتشعبت آراؤنا وتنوعت مشاربنا وازدادت تبعيتنا، فكيف لنا أن نلتقي؟!في أمور الفكر بتنا نتمترس في النصوص حسب الهوى والغرض بدلاً من فهمها والمبادرة للعمل بها. وأتعبتنا خلافاتنا حول المصطلحات بدلاً من التعرف على حقيقتها وسبر كنهها، حتى بتنا نكفر بعضنا ونستبيح ما تبقى من دماء!وفي حياة العمل والمعاملات لا تجد أية هوية للبشر، فلا هم تمثلوا أخلاق الصحابة وقيم الإسلام، ولا هم يتمثلون أخلاق العرب! وما هذا إلا لضياع الهوية وفقدان الهدف، الذي هتف الناس لأجله “حرية” ولكن نسوا “كيف” و “لماذا”. نلح على الوحدة ونطلب من القادة الوحدة، وبعُدنا عن المحور الذي يجمعنا ويوحدنا، فضياع الهوية سبّب لنا الكثير من الصراعات الجانبية التي شغلتنا عن الهدف فتراجعت الثورة، وتعرّضت لانتكاسات أليمة في المجالات كافة، في المجال الشعبي والعسكري والأممي. إذاً ضاعت الهوية وبعدنا عن المحور فكيف لنداء الوحدة أن يجد سبيلاً للآذان فالقلوب؟إن هكذا نداء سيرتطم بصخور صماء وسيرجع الصدى به هازئاً، حائراً، ومتسائلاً: ومن أنتم؟ وعلى ماذا ستتوحدون؟ ولعله في الأجيال القادمة يجد من يصغي إليه.