ما أزال أرى أن ما يسمى الدراما السورية هي إحدى أهم أدوات النظام السوري المجرم لتدجين الشعب السوري، وتلقينه كل فاسد من الأخلاق والقيم والسلوك.
خطورة ما يُقدِّمه في المسلسلات السورية لا يقتصر على مشاهد العري وأجواء الانحلال الأخلاقي التي يحاول المخرج من خلالها إقناعك أن الشعب السوري هكذا، بل تكمن الخطورة الحقيقية في القيم الفاسدة التي تمرر من خلال شاشة التلفزيون لتتسرب إلى لاوعي المشاهد حتى تُعيد توليفه من جديد.
مسلسل باب الحارة بأجزائه المختلفة أكبر مثال على دور التلفزيون والدراما في صياغة العقل الجمعي للشعب، فهذا المسلسل الذي يفترض أنه يحاكي البيئة الدمشقية أيام الاستعمار الفرنسي ترك في سلوك مشاهده السوري وسما واضحا، فصار كلُّ مشاهد يظن نفسه أنه العكيد معتز أو العكيد أبو شهاب، وكل عائلة أو عشيرة، أو أهل قرية أو مدينة أو حي، بل حتى فصيل عسكري، هم أهل حارة الضبع الذين ملأت أخبار معاركهم وذكرياتهم وانتصاراتهم على من خالفهم المشارق والمغارب.
طالما أن لي عصبة جاهلية مثلي تَسندُ ظهري فأموري في السليم، أستطيع حلَّ أكبر مشكلة بدقائق أمضيها في توجيه وتلقي اللكمات والرفسات، وطعنات الأمواس والشبريات!
لماذا التعقل، ولماذا التفكير، ولماذا التبين، ولماذا التورع عن المشاكل، طالما أنني العكيد أبو شهاب، وبظهري عائلة أو عشيرة أو فصيل من القبضايات كحارة الضبع؟ العقل والتورع ومعرفة رأي الدين في المشاكل هي صفات سلبية تليق بالشخصيات الضعيفة والهامشية كالشيخ عبد العليم، وأبي بدر زوج فوزية، بينما السفه والطيش والخفة وحل المشاكل بالطريقة الجاهلية هي دليل الرجولة والشجاعة كشخصيات أبو شهاب ومعتز، لاحظ كيف يتم ربط القيم الإيجابية بشخصيات سلبية في العمل، يتم تقديمها بأسلوب هامشي وسطحي، والصفات السلبية تربط بشخصيات إيجابية، يتم تقديمها بالعمل على أنها نجوم وركائز أساسية في المسلسل، وهذا ما يجعل المتلقي خاصة إن كان طفلا أو مراهقا يتقمص السلوك السلبي حتى يتحول لديه لقيمة، عبر تعلقه بالشخصية التي خدعه بها المخرج بتقديمها بأسلوب جذاب.
وتتعزز هذه القيم السلبية بأجواء النكبات الاجتماعية والسياسية التي نعيشها مع غياب سلطة من أي نوع، وتراجع الوازع الأخلاقي والديني والاجتماعي، وبمعادلة بسيطة نجمع فيها انتشار عقلية باب الحارة + نزوح وتهجير + حالة حرب + فقر = ما حصل في مدينة الباب من اشتباكات مناطقية خلفت العشرات ما بين قتيل وجريح.
نحتاج إلى إعادة بناء منظومتنا القيمية الإيجابية، وترويجها عبر شخصيات عامة تصلح لأن تكون قدوات يمشي على أثرها باقي المجتمع، ونحتاج إلى تعزيز ثقافة المؤسسات في المجتمع حتى يسهم المواطن العادي بجعلها تأخذ مكانها الذي تستحقه، وإلا فسنشاهد مزيدا من حلقات باب الحارة في مناطقنا المحررة.