بقلم : علي المحمودفَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساءلا بد أن نستقبل الإيمان بالإقبال على كل ما جاء به رسول الله، فساعة حكـّم المنافقون غيره برغم إعلانهم الإسلام جاء الحكم بخروجهم من دائرة الإيمان، وعلى المؤمنين أن يتعظوا بذلك.ونلحظ في قول الحق: “فَلاَ وَرَبِّكَ” وجود “لا” نافية، وأنه سبحانه قد أقسم، ونعلم أن المنافقين قد ذهبوا فحكـَّموا غير رسول الله، مع أنهم شاهدون بأنه رسول الله فكيف يشهدون ثم يحكمون غيره ولا يرضون بقضائه؟ وتلك قضية يحكم الحق فيها فيقول: لا، هذه لا تكون أبداً. إذًا، فـ “لا” النافية جاءت هنا لتنفي إيمانهم وشهادتهم أنه رسول الله؛ لأنهم حكـَّموا غيره. فإذا ثبت أنهم شهدوا أنه رسول الله ثم ذهبوا لغيره ليقضي بينهم إذا حدث هذا، فحكمنا في القضية هو لا يكون لهم أبداً شرف شهادة أنه رسول الله.ولاحظوا كيف استخدم الله الفعل “يحكموك” والتحكيم والحكم والحكمة، كلها تعني بأن تضع الشيء في موضعه الصحيح.فالإيمان ليس قولة تقال فحسب، وإنما هو قولة لها وظيفة، فأن تقول “لا إله إلا الله” وتشهد أن محمداً رسول الله، فلا بد أن لهذا القول وظيفة، وأن تحكِم حركة حياتك على ضوء هذا القول، فلا معبود ولا آمر ولا نافع ولا ضار ولا مشرع إلا الله، فهي ليست كلمة تقولها فقط وينتهي الأمر.ثم عندما يأتيك أمر يحتاج إلى تطبيقها ” فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ” بمنهج الإسلام “حَتَّى يُحَكِّمُوكَ” فهذا هو التطبيق “فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ” ولا يصح أن يحكموك صورياً، بل لا بدّ أن يحكموك برضا في التحكيم، “ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً “أي ضيقاً “مِّمَّا قَضَيْتَ ” فعندما يحكم رسول الله لا تتوانوا عن حكمه, ولا تضيقوا به “وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً” أي يُذْعِنُوا إذعاناً.إذًا، فالإيمان لا يتمثل في قول يقال، وإنما في توظيف ذلك القول، بأن تلجأ إليه في العمليات الحركية في الحياة، “فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ” حتى يترجم الإيمان إلى قضية واقعية اختار الحق لها أعنف ساعات الحرج في النفس البشرية وهي ساعة الخصومة التي تولد الميل عن الحق.فهل تجدُ حرجاً في نفسك في ظروف الحرب المحرجة والكاشفة لمواقف الناس أثناء حركتك اليومية عسكرياً ومدنياً وإغاثياً أو أنك لا تشعر بالحرج ولم تتعرض له قط ؟