بعد أكثر من سبع سنين بزغ هلال شوال هذا العام دون أن يكون هناك مدن محاصرة وأطفال محاصرين بعدما أصبحت المدن مدمرة خاوية، وأصبح أهلها مهجرين منفيين في خيام منسية.
هكذا يمرُّ العيد على مهجري غوطة دمشق وحمص وحلب وباقي المحافظات التي أُخرِج أهلها من ديارهم وآثروا الغربة والنزوح على العودة إلى حضن النظام الملطخ بدمائهم.
منهم من يمضي عيده الأول في الشمال السوري ولاسيما مدينة إدلب وجهة المهجرين، وهنا الحسرة تكون أكبر على من اعتاد أن يصلي العيد في مسجد الحي الذي تربى فيه ويحتسي القهوة المرة في منزله وبين عائلته ويتم مناسك العيد بين أهله وذويه في فرحة ما عادت موجودة منذ أن غادرت قدماه ذلك الحي.
ففي مثل هذه الأيام وقبل ثماني سنوات كانت عائلة (أبو حمزة الحلبي 66 عامًا) تملأ الدار مجتمعين في ليلة العيد من كبيرهم إلى أصغر فرد فيهم، تعلو وجوههم الفرحة فاجتماع العائلة في تلك الأيام المباركة من أبرز طقوس الأعياد وأكثرها مبعثاً للسرور، أما اليوم وبعد أن أصبح أبو حمزة مهجراً من مدينته حلب ونازحاً في ريف إدلب صار من المستحيل أن ينعم بتلك السعادة وسط عائلته الكبيرة وفي ظل وجود أبنائه، فعيد اليوم ليس كعيد الأمس، فأبناؤه بين شهيد ومعتقل وآخرٌ مصاب، قال والدمعة محبوسة في عينيه: “لم يعد للأعياد تلك البهجة التي كانت من قبل، ولم نعد نشعر بفرحة العيد منذ زمن، فالفرحة ناقصة بغياب من نحب، شبابنا مهجر، وبعضهم في المقبرة ومن بقي يأكل الحسرة.” ثم مسح دموعه وختم حديثه: “عيدنا الحقيقي عندما نعود إلى ديارنا ونأخذ حقوقنا بالعيش الحر الكريم الذي دفعنا ثمنه من أجسادنا وأبنائنا.”
وهذه حال الغالبية من الناس في المدن السورية، فلا تكاد تخلو أسرة من فقيد أو شهيد وبأفضل الأحوال لاجئ في دول المهجر هاربًا من لعنة الحروب والصراعات.
أما (محمد) 28 عامًا يمضي عامه الثاني في مدينة إدلب وقد اعتاد أن يمضي العيد مع عائلته الصغيرة بعد أن هُجّر من ريف دمشق منذ عامين وفي كل عام يستبشر مع نهاية آذان المغرب بعيدٍ يجمع شتات المغتربين عن أهلهم وأرضهم، محمد يعدُّ هذه الغربة مؤقتة وكله أمل بعودة قريبة تجبر كسر نفوسهم وغربتهم.
بين عيدٍ وآخر تطوي سنين الغربة والنزوح واللجوء من أعمارنا وتكون هذه الأعياد فترة نقاهة بعد طول عناء تستعيد فيها الذاكرة أجمل لحظاتها وذكرياتها، وتتحسر على الأيام الخوالي التي مرت.
مجهدٌ هو العيد في الغربة، وطويل هو الصيام عن الفرح والسكينة مالم يأتِ عيدنا الحقيقي الذي يعيدنا إلى ديارنا وأهلنا وأرضنا..
كل عيد وأنتم في أوطانكم..