بثَّ كاتب الوحي حنظلة رضي الله عنه وأرضاه شكواه إلى حبيب الله عليه أفضل الصلاة و التسليم، محملةً بالبعد الإيماني والوعي الكامن بتفاوت الحالة النفسية للصحابي ما بين حياته اليومية ومجلسه مع النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، مكللاً كلماته برداء النضوج الفكري، صابغاً عبارته بالثقة المعرفية، معللاً تساؤله بوجود ومضة ألقاها الحبيب في صدور صحبٍ كرام فصدح بقوله: (نافق حنظلة!)، أي قوة إيمانية أُلقيت في فؤاد الصحابي الجليل حنظلة رضي الله عنه و أرضاه حتى يدرك بالوعي الذي زرع في فؤاده و سقي بأوامر النبي أن التباين موجود والاختلاف واضح ما بين مجلسهم مع النبي عليه الصلاة والسلام وممارسات حياتهم اليومية، أيُ قبس من نور أُضيء في جنبات فؤاده لينير له زوايا حياته ، ذلك القبس من شجرة أصلها نور و فرعها نور ، و جذرها مضيء ينقش في أعماق كل من يحتويها فسيفساء الحق ، إنها الأسس المحمدية التي ألقاها الحبيب عليه أفضل الصلاة و التسليم في ألباب قوم مؤمنين ، فشكلت لديهم مرجعية دينية و سياسية ، بل كانت أسلوب الإدارك و إدارة الذات و تحقيق المراد ، إنها الخرائطُ التي تُطبع في أعماق كل إنسان منا، لتكون مرجعيته الأساسية و خلفيته المعرفية التي يعود إليها في كل متشابه سرابي، فيحدد بوصلة أفكاره، وينظم اتجاهات مداركه، ويبصر موقعه في (خريطة الوعي) فإما أن يكون على حافة الهاوية أو يكون بمراتع العافية، وربما يكون في صحراء خاوية، لكن الأهم أن يدرك أين هو، فيتمكن من تصحيح المسار أو الاستمرار، الأهمية تكمن في وعينا المتأصل، وإدراكنا المُرتكِزُ على أسس إسلامية، ونظرة شمولية لطبيعة الموقف والحالة، فإن خالط (خريطة الوعي) جهلٌ و سوء معرفة واضمحلال بالمخزون الثقافي، بدأ المرء السفر بدروب من التيه و الضياع وسُبُل التشتت و التخبط بين كل ما قيل و يقال، أما الميزان الذي أودعه الله بِنَا لتمييز الحق و نفي الباطل والجهر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يكون دوره إلا (إسفنجة) تمتصُ كل ما يُلقى لها من فتات الأفكار، و بقايا الكلِم المترامي على أدراج الابتذال الثقافي و الانعدام الأخلاقي.
يتجلى الوعي لنا كغيث مغيث يحيي من رماد الفكرة لهيبَ الأفعال، و يُعيد تصويب البوصلة التي ضلت في ازدحام المسارات، فهو الوقود لذاكرة الثورة، فلا نسيان لدماء الشهداء، بل ثأر سيولد النصر و يطلب الخلود طالما يُغذى بـ( الوعي) الكافي لمعرفة أن مطالب ثورتنا ليست للمساومة أو المصالحة، بل هي حق ينتزع من براثن الباطل بـمعارك السنان والبيان، و معركة الوعي هي الجبل الذي سيعصمنا من الطوفان، فمن كان لديه ذخيرة إيمانية وعتاد من الإدراك فقد نجا و أَمِن على نفسه من طوفان الظلم و الظلمات، وأما من تخلى عن مبادئه و تعرَّى من ثوب الوعي، فلا أسف عليه من الغارقين بهذا الطوفان، ولكي نتسلح بهذا الجبل الأشم، لا بد من حِبال تنتشل نفوسنا من أودية الضياع، ولن تكون تلك الحبال إلا الدعوة الخالدة والكلمة الربانية والأمر الإلهي (اقرأ) حيث توسيع المدارك وزيادة المعلومات ورفع الثقافة وإعادة هيكلة العمق الإنساني بأبنية من نور و أرجاء من المعرفة المكتسبة التي تضيف لجدار الروح الصلابة والمتانة وتسلحه بالثقة والإيمان، فيتأصل الوعي بداخل الإنسان، فيغدو وليد قناعاته ونتاج إيمانياته وحصاد أفكاره، فلا طوفان ظلم يغزو مطالبه ولا ظالم يعتدي على محارمه، طالما فأس الوعي بيمناه فلا خوف من أوثان الباطل.