حسن الدغيم
عندما يتراكم الفساد الروتيني الذي يهدد الكرامة الآدمية، ويصبح هذا الفساد مشرعناً من السلطات الزمنية، تبزغ الفكرة الوهاجة المحركة للوعي الجمعي، فتفجِّر الطاقات الكامنة، وتولد الاندفاع الروحي الذي يفكك حالة الجمود، لكن هذا الاندفاع طاقة خلاقة ومكلفة، وهو استثناء من قاعدة المصالح التي ألفتها النفوس، وسرعان ما تخبو جذوته مع رحيل الجيل المؤسس، ويعود المجتمع للحالة البراغماتية المألوفة مع تحسن ملحوظ في منظومة القيم.
ما يهمنا هنا هو التأكيد على أنَّ المتصدرين للشأن العام عليهم أن يرسموا خطة الانتقال من عقلية الثورة للدولة بناء على قاعدة المصالح النفسية المحسنة وليس على موجة الاندفاع الروحي ، لأنَّ قاعدة المصالح يجتمع عليها كم كبير من الناس، فهي تلبي لهم نسبة من الأرباح مع ما تتشوف له الروح من تحسن المستوى القيمي ، وأما البناء على الاندفاع العاطفي دون التشابك مع قاعدة المصالح وعدم وضوح نسبة الأرباح، فلن يستطيع المتصدرون أن يجمعوا عليه أمر الناس إلا من طبيقتين.
الأولى : المخلصين للفكرة والعاشقين للبذل، وهؤلاء تفنيهم المِحن ويسكنون بطون السباع وحواصل الطير، لأنهم يتعلقون بالملأ الأعلى الذي يعتقدونه.
الثانية : هم النفعيون الذين يستفيدون من خلو الجو لهم من الآباء المؤسسين، فيبتدرون لرعاية مصالحهم، لكن مع فشلهم الأخلاقي أو التنظيمي يعمدون لاستخدام الكبسولات المجهزة والمحقونة بالمنشطات الوقتية ليضمنوا استمرار حالة الاعتياش، بيد أنهم في الغالب لا يستطيعون مواصلة ذلك إلا بارتكاب حماقات مروعة تعود على المشروع النبيل بالنقض والتشويه، ويخسرون حاضنة الناس الذين استطاعت قاعدة المصالح المحسنة اجتذابهم وتأطيرهم.