“السياسةُ علم”، والممارسة السياسيّة هي أخذُ هذا العلم، والخبرةُ بتطبيقاته، من أجل الاستفادة منه في إدارة أو فهمِ الواقعِ السياسي، أو حتى مجرد معرفة كيفيّة تلقّي الخطاب السياسي وفهم أبعاده بشكلٍ أكثر منطقيّة، لا يجعلنا نتوقّع منه أكثر مما يمكنه تحقيقه، مهما كان هذا الخطاب متعالياً، أو مفاجئاً من حيث تخلّيه عن الكثير من الثوابتِ التي من المفترض أن يدافع عنها.
لقد عانى الخطابُ التي تبنّته الثورةُ منذ بدئها من اضطراباتٍ عديدة، سواء من حيث أطراف هذا الخطاب كمعارضةٍ وحلفاء للثورة أو قادة محلّيين أو ميدانيين، أو من خلال التلقّي الشعبي الواعي لهذا الخطاب وبناء الآمالِ عليه، والخيبات المتلاحقة التي مُني بها الشعب السوري جراء الانثناءاتِ الحادة وغير المتوقعة في المواقف السياسية، والتي كانت تختلف عن بداياتِ الثورة، مما أجبر الزخم الشعبي على تبني خطاب مواجهةٍ يلعن كل شيءٍ تقريباً، فما يمكن تحقيقه مختلفٌ تماماً عمَّا بُذلت الدِّماء لأجله، أو هكذا تبدو الصورة على الأقل.
في مجموعة مقالاتٍ قادمة سنحاول الوقوفَ حول طبيعة هذا الخطاب من مختلف الجهاتِ ومحركاته الرئيسية، وما سنركِّز اهتمامنا عليه هو الوعي الشعبي لهذا الخطاب وتفاعله معه، وكيف أثر هذا الوعي في كثيرٍ من المواقف سلباً أو إيجاباً منذ التحرك السياسي الأبرز للمعارضة في بدايات 2013 عند تشكيل الائتلاف، واقتراب الثورة من نصرها ثم ما حدث بعد ذلك، وسنتطرّق بشيءٍ من الاهتمام للخطاب والموقف السياسي التركي، لأنَّ الدور التركي في الثورة لا يمكن إهماله، وبسرعةٍ سنمرّ على أبرز المواقفِ العربية (قطر والسعودية) على وجه الخصوص، ثم الموقف المصري وتغيّراته وكذلك الموقف الفلسطيني، والقراءة المتأنية للمشهد السوري، وأبرز المواقف العالمية، وخاصة النهج السياسي الأمريكي على كثرة تبدّله، والموقف الروسي. وسنقف أيضاً عند مواقفِ المليشيات الانفصالية والقوى الراديكالية.
لن نحاول أبداً الغوص في تفاصيلِ المعلوماتِ الحصرية، وإنما سنحاول القيام بقراءاتٍ سريعةٍ وفق ما أُتيح للجميع إعلامياً، وذلك لنتجنّب بناء الآراء بمعزلٍ عن الناس.
ما تجب الإشارة إليه نهايةً، أنّه ليس شرطاً أن تكون هذه المقالاتُ متعاقبة، فقد يطرأ ما يؤخِّر أحد أجزائها، وأتمنى أن تحظى بتفاعلٍ ونقاشٍ يجعل المقالاتِ القادمةَ أكثر إتقاناً.
والسلام .
المدير العام | أحمد وديع العبسي