من علقة كان خلقك إلى أن ولدت وكبرت، هكذا هي حياتكَ! مراحلٌ شتى تجول بك في دوامةٍ لا تعرفُ السكون والراحة، أما الموت فلا مراحل له، يأتيك في غفلةٍ أينما كنت وكيفما كان حالك.
أمام نافذة الحياة وقفت أتأمل صوراً عديدة، أناسٌ كثرٌ لكل منهم شأن يُلهيهِ ويبعده عن الآخرين رغم قربه منهم، مسرعين إلى اللاشيء، إلا من عرف منهم معنى وجوده والتكليف الإلهي.
ذاك رجلٌ في السبعين من عمره يكسو جسده قماش مرتوق يتكئ على عصا ليقوى على السير حافيا على زُجاجِ الحياة، “عُذراً أيها العجوز فقد انشغلنا بالنظرِ إلى المُحرمات، فأي عيون ستشاهدك؟!”
في زاوية أخرى طفلٌ بدا الحزن عليه، فقدَ المدرسة منذُ أخبرتهُ معلمتهُ عن إهمال أمّه (المتوفية) وشتمها المتكرر لها لعدم تلقينه العمليات الحسابية، “صغيري لا تحزن، فمعلمتك قد نسيت أبجدية الحياة، وفاتها السؤال عن أمك وحالها، ولا تعرف مرارة اليُتمِ.”
أما المتهافتون على الأسواق الذين يشترون الكماليات ببذخ ويصرفون بإسراف، “لا أدري لِمَ يتسابقون لشرائها، وفريضة الزكاة لا يخرجونها، وإن أخرجوها تكون مما لا حاجة لهم به!”
غُبار وشظايا تتطاير، أصوات صراخٍ وبكاء وضجيج، ملابسٌ ملطخة بالدماء من غير أصحابها، وأرواح تتسابق إلى السماء، “نعم إنه صاروخٌ حربي دمر كل شيء، وأخذ من أدركهم ملك الموت.”
هذه مقطوعةٌ صغيرة من سيناريو الحياةِ، وهشاشةُ ساعة الغفلة تقترب أكثر فأكثر.
قيل عن نوح عليه السلام: أنه جاء إليه ملَك الموت ليتوفاهُ، بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان فسألهُ: يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا؟ فقال: كدارٍ لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
الحياة أقصر من أن تقضيها بالبحثِ عن الرفاهيات، أقصر من أن تغتنم لو بضعَ دقائق لتفكرَ ماذا حصل، وماذا سيحصل!
أترى كوب القهوة الساخن الذي ترتشفهُ في كل صباح؟ وذلك الغداء الذي يتطلب وقتاً منك أكثر من فريضةِ الصلاة لتحضيره، وبرامج التواصل الاجتماعي والتلفاز وما شابه؟! جميعها فلسفةٌ من فلسفة الحياة، تعتبرها ضئيلة الوقت، لكن تسلبُ من عُمركَ من 4 إلى 10 سنوات.
غداً ستوفى كل نفسٍ ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، إن أحسنوا لأنفسهم، وإن أساؤوا فعليها.
إن الله منحنا الحياة، وهو يسلبها بالموت الذي هو انتقالٌ بها إلى دار الآخرة، فحبذا لو يجهز العاقل العدة لرحيله، فإنه لا يعلم متى يفاجئه أمر ربه، ولا يدري متى يُستدعى للحساب.
وتذكّر دائماً أن الموت قريب، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يملكون قوّة عظيمة.
ثمّة طريقة واحدة للانتصار في هذه الحياة وتحقيق الصحوة التي خلقنا لأجلها، إنها الروائع في حياتنا التي تعيننا على جمع زادنا للآخرة، إنها العبودية الخالصة لله في كل حركاتنا وتعاملاتنا، لذا علينا أن نستغل كلّ الفرص الممكنة لنُظهِر اللطف ونُحبّ من أعماق قلوبنا، علينا دائماً أن نكون مستعدين لذاك اللقاء، فإن لم نزيد شيئاً على حياتنا فنحن زائدون فيها.