لاشكَّ أن الانتكاسات الأخيرة التي أصابت الثورة المتمثلة بتهجير الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي تحزُّ في نفس كل إنسان حرٍّ، إلا أن المبالغة في تصوير حجم الهزيمة من قبل جمهور الثورة هو خدمة مجانية نقدمها للنظام على طبق من ذهب.
فلو حللنا الموقف بعقلانية أكثر لربما اتضحت لنا مجموعة من التفاصيل غابت عن أنظار معظمنا في خضم هذه الزوبعة الإعلامية الحاصلة، فالغوطة الشرقية المحاصرة منذ سنوات أبلى فيها الثوار بلاء أقل ما يقال عنه أنه أسطوري في وجه ثاني أقوى ترسانة عسكرية على وجه الأرض (روسيا) ومع ذلك لم تنجح الأسلحة التقليدية في حسم الموقف لصالح النظام وحلفائه على الأرض، حتى اضطر لاستخدام الأسلحة الكيماوية رغم معرفته المسبقة أنه سيعاقب على استخدامها ولو بصورة رمزية.
كان ومايزال الجانب الإنساني والأخلاقي المتمثل في حماية المدنيين العزل حلقة الضعف لدى الثوار، فاستغله النظام بشكل وحشي، حيث أمعن في ارتكاب المجازر للضغط على الثوار وحاضنتهم الشعبية ما أجبرهم في النهاية على القبول بخيار التهجير القسري حفظاً للأرواح وحقناً للدماء كما حصل مع جميع المناطق التي هجرت سابقا.
تلا عملية الغوطة الشرقية عملية مشابهة في القلمون الشرقي، لكن هذه المرة اختار الثوار عدم المقاومة منذ البداية لإدراكهم باستحالة المهمة في بقعة جغرافية معقدة، فالمنطقة شبه صحراوية ومحاطة بأقوى وأعتى القطع العسكرية، وأعداد الثوار قليلة مقارنة بالمساحة، فلا موارد غذائية ولا طرق إمداد، ولسنا هنا في صدد الدفاع عن القرار الذي اتخذوه، لكن تضخيم حجم الذخيرة والسلاح الذي تركه الثوار للنظام بشكل خرافي لا يكاد يصدق هو إجحاف كبير، فمنذ بداية الثورة خسر النظام الكثير من المواقع المليئة بالذخيرة والعتاد ولم نسمع أحداً من مواليه يخوِّن أو يشتم.
الثورة اليوم تمرُّ بأسوأ أيامها ولا خلاف على ذلك بين عاقلين، ونشوة النصر لدى النظام وحلفائه ستدفعه لتكرار التجربة في باقي المناطق المحاصرة كأحياء دمشق الجنوبية وريف حمص الشمالي، لكن على الثوار أن يدركوا أن الفرصة لا تزال في أيديهم لقلب الطاولة من جديد على رأس النظام وداعميه، ولنتذكر دائما كيف استطاع الثوار الأوائل تحرير معظم الجغرافيا السورية بأسلحة خفيفة دون دعم خارجي يذكر، فعلى الثوار اليوم القيام بعدة خطوات لتدارك الموقف:
أولا: وقف الاقتتال بين الفصائل المتصارعة، فهو قتال عبثي الرابح فيه خسران، وليتعلموا من تجربة الغوطة كيف أن اقتتال الفصائل هناك كان السبب الرئيس في سقوطها.
ثانيا: تغيير أسلوب المعارك من المواجهة المباشرة إلى حرب العصابات والإغارة والكمائن، فالنظام استطاع إعادة السيطرة على مناطق شاسعة عبر حروب المواجهة والحصار ثم التهجير بعد أن خسرها في بداية الثورة بحرب العصابات وقطع خطوط الإمداد.
ثالثا: العمل خلف خطوط العدو بالعبوات والاغتيالات وعبر الطائرات المسيرة، ما سيشل حركة النظام ويؤدي إلى فقدانه الأمن في مناطقه.
ويبقى الأهم من ذلك أن تبقى الحاضنة الشعبية للثوار في صفِّ الثورة، فرغم كل ما حصل يحق لنا أن نفخر بما قدمه الثوار حتى اليوم من صمود، فحزب الله على سبيل المثال لم يصمد أمام إسرائيل أكثر من شهر واحد، واعتبر نفسه بعد تلك الهزيمة منتصراً لصموده أمام الجيش الإسرائيلي، بينما الثورة السورية بعد أكثر من سبع سنوات ماتزال عصيَّة على النظام وحلفائه.