بقلم محمد فلاحةالجميع مدركون أنَّ الحرب لا تأتي فقط على الحجر، ولا تخلِّف خلفها دمارا ماديا فقط، بل تصل إلى الإنسان فتخلف الشهداء والجرحى والألم، وهي تجتاح العنصر البشري من باب شديد على النفس هو ترك الوطن وهجرة الديار والتشرد في بلاد اللجوء التي لا تُعوض على الرغم من مغرياتها شوق الإنسان إلى وطنه وحنينه إلى الأرض التي عاش فيها، فالهجرة في بعض الأحيان ليست من اختيار الإنسان، وإنَّما فرضتها ظروف الحرب والحاجة إلى التغلب على المصاعب الإنسانية القاسية.يتصدر موضوع الهجرة واللاجئين مواضيع الأخبار وعناوين الصحف العالمية، ويتم التركيز على قضية السوريين الذين يودعون أوطانهم متوجهين إلى الضفة الأخرى من الأرض حيث القارة العجوز تفتح يديها لاستقبالهم واحتضانهم بعدما لفظتهم بلاد العرب التي تستورد المومسات لترقص في أراضيها المقدسة والعمال الأجانب من الغرب للعمل في أراضيها، تفتح البلاد الغربية أبوابها بسبب الحرب التي يشنها النظام المجرم على الشعب السوري. ولذلك يحظى ملف الهجرة بأهمية كبيرة، وبات يشكل أساسا من أساسيات السياسة الداخلية والخارجية لعدد من الدول الأوروبية.وقد تغير مفهوم الهجرة ومفهوم اللجوء عند تلك الدول ممَّا دعاها إلى إعادة تعريفها والوقوف عند صورها وطبيعتها، وهذا عائد إلى اتساع ظاهرة الهجرة وتأثيرها على الدول والأفراد والمجتمعات في الوقت الحالي، وأمام هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين المتدفقة من سورية والعراق وأفغانستان، تثار موجات من القلق والجدل في أوساط الأوروبيين، فبدأت الهواجس تصحو بعد الهدوء، وقد تسببت أيضا بالانقسامات داخل المجتمعات حتى وصلت إلى الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يعيد النظر في الاتفاقيات الخاصة بقضايا اللجوء كاتفاقية ( شنجن) الموقعة بين بعض البلدان الأوروبية والتي تلغي عمليات مراقبة الحدود بين البلدان الموقِعة للاتفاقية وتحدد معايير الدخول المؤقت للأشخاص.وعلى الرغم من الخلافات والانقسامات حول مسألة قبول اللاجئين أو رفضهم فإنهم يدركون جميعا ويتفقون على أنَّ تلك الأعداد الهائلة ستهدد الثقافة وطبيعة المجتمع الأوروبي في المستقبل القريب، ولذلك لا بدَّ من اتخاذ الإجراءات والقرارات التي الصارمة حول الهوية الأوروبية والنظام المجتمعي في دول الاتحاد، وتعكس الكلمات التي قالها رئيس وزراء المجر حجم التخوف والقلق الذي يراود الأوروبيين إذ قال: ( إنَّ اللاجئين السوريين يهددون مسيحية أوروبا) منبها بذلك على الخطر القادم من الشرق وخطر ما تقوم به بعض الدول من استضافة اللاجئين من دون دراسة القضية من جميع أبعادها، وهو يعني بصورة واضحة دول ألمانيا والنمسا والدنمارك بالدرجة الأولى.وهذه النظرة إلى اللاجئين مطبوعة في أذهان بعض الأوروبيين، فهناك دعوات تطالب رفض استقبال الوافدين الجدد باعتبار أنَّهم سيحولون سكان البلاد الأصليين إلى أقليات في المستقبل، إضافة إلى تخوفهم من تسلل المجموعات الإرهابية والقيام باستهداف أوروبا في عقر دارها وزرع الفوضى والهلع في أوساط الأوروبيين.ولا شك أنَّ التأثير على مسيحية أوروبا كم قال رئيس وزراء المجر هو الخطر الأكبر إذا ما قورن بالعقبات التي يمكن أن تواجه الدول المستضيفة كتأمين الموارد المالية الكافية وتقديم الخدمات ونفقات السكن والطعام واللباس والخدمات الصحية، ومن هذه الناحية تسعى الدول الأوروبية إلى التوصل إلى حل تستطيع من خلاله توزيع اللاجئين بحسب نظام الحصص وطبيعة تلك الدول ووضعها الاقتصادي.ولكننا بالنظر إلى الطرف الآخر من قضية اللجوء والهجرة نجد أنَّ نسبة الوافدين إلى القارة العجوز هي فئة الشباب، وبذلك تعتبر قوة عملية تشغيلية فعالة يمكن أن يستفاد منها على أكثر من صعيد في بلاد تفتقر أساسا إلى عنصر الشباب وتغلب فيه نسبة الوفيات نسبة الولادات وتقل فيه نسبة الزواج والإنجاب، فهناك توقعات مخيفة جدا تشير إلى مقدار الانخفاض في عدد سكان تلك الدول في السنوات القادمة، وهي كارثة حقيقية تستطيع الدول الأوروبية أن تجد لها حلا من الآن عبر عملية توطين الوافدين ومنحهم الجنسيات ودمجهم في مجتمعاتها، ولذلك لا نستبعد أنَّ بعض الدول الأوروبية ستحتاج إلى مزيد من اللاجئين الشباب، وإلا فإنَّها مهددة بالانهيار.ولذلك لا نستغرب سكوت الدول الأوروبية على نظام الأسد الإجرامي، فهي تستفيد منه باعتباره مسير رحلات اللجوء الجماعية من سورية باستخدامه الحديد والنار!