اكتست الأفئدة لباس السواد، وخيم الألم على الألباب، وكثرت الأقاويل والشائعات، وترنحت الأجساد، وتهاوت النفوس من فرط التيه والضياع، كأنهم ما سمعوا نداء النبي في غمرة الخندق و العذابات، حيث الحبيب عليه أفضل الصلاة والتسليم ينادي “أُعطيتُ مفاتيح الشام”
ما بين معترك المصائب والمحن، وتوالي الأعداء وتجمع الخونة على مدينة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، أطلقت الأرواح إشراقها، وتمايزت الأنفس ما بين ظالم لنفسه ومقتصد وسباق بالخيرات.
الأعداء قد جمعوا لنا، أفنضيعُ مفاتيح الشام في سبيل شائعة من هنا، وكلمات من هناك؟! حاشى أن تضيعَ مفاتيح الشام من أبناء ثورتها، لن نكتسي إلا إيماننا درعاً يقي جنبات فؤادنا من نِبال المخذِّلين وسهام المرجفين، فإن وصلت إلى خندق ألبابنا اشتعلت ضوء ينير لنا أروقة أرواحنا لنعلم من حاد و باع وخان، ولندرك أن البقية الباقية لن يُؤتوا من قلة عدد وعَتاد، فهُم الأمة في كثرتهم، وأعتى الجيوش في إيمانهم، التخبط و التشتت والضياع هو السم الذي حقنوه في سماء محررنا، فشاع الخوف و كثُر الحذر، و مَثل ثُعبان الاستسلام أمام أنظار أصحاب النفوس الضعيفة، نقتله بنداء الحق في مُهج الضحايا، بقوة الألم في أرواح الفاقدين، بعطر دماء الشهداء، بسمو أفكار الثورة، برفعة أخلاق حامليها، بعدة وعتاد نقتلع رأس الثعبان ونستأصل جذور الضعف و الخذلان، ما بعد سبع أعوام من التضحيات، و سبع سنين من الدماء الزاكيات، لن نبرح جبل الرماة، “وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر و تظنون بالله الظنونا”
تصوير واقع ما قبل الهزيمة النفسية التي تسيطر على الألباب وإساءة الظن بالله، والسخط من الأقدار والتسخط على حكم الله، ليس لذاك نتيجة إلا السخط من رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.
أقدار كتبت وأسباب هُيأت، وبقي مفترق الطريق خيارنا الذي نسلكه مدرعين بالرضى، فإن وصلنا تخوم الفتح ذلك من فضل الله، وإن بلغنا الأخدود، لا سخط ولا تسخّط، أليس حكم الله فينا؟ تترامى أنفسنا بكل رضى في سبيل الله، في سبيل الثورة، في سبيل فكرة أوقظت بالدماء ولا تخبو لأن طبيعتها السامية ترتقي بها وتزيد من رفعتها وسموها وتذهب بها حيث لا موت ولا وصب ولا نصب.
“ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما”
لم تقضِ الظروف السيئة يوماً إنكار الإيمان، وإنما تُصقل النفوس وتزداد بريقاً بقوة الإيمان، وشدة بمتانة الإسلام، ورفعة بعزة المعتقد.
“الآن نغزوهم ولا يغزونا، فنحن نسير إليهم” أطلق الحبيب كلماته مثخنة بالأمل غزيرة بالقوة، فكان الفتح، اليوم نغزوهم، بتماسك بنياننا، بتأصل ثورتنا في نفوسنا، فإن أصيبت أو جرحت في معقل، لن نرتد على أعقابنا، الثورة فكرة والفكرة لا تموت.
سنُري الله من أنفسنا خيراً، ولن نبرح جبل الرماة.