عندما سمعت لأول مرة عن مقولة ماركس (الدين أفيون الشعوب) كنت واعياً لفكرة الإلحاد التي تقطر من هذه العبارة، لكنني قلت في نفسي: ربَّما قال ماركس ذلك كون الدين المسيحي أو اليهودي قد أصابهما التحريف وكان هذا محيطه ممَّا دعاه لهذا القول، أمَّا الإسلام فأمر آخر، إنَّه الدين الحنيف الذي حفظه الله من التحريف على مرِّ العصور من خلال العلماء العاملين الذين وقفوا حصناً منيعاً في وجه من أراد تشويه أو تحريف الإسلام.
لكنني أقف اليوم في حيرة من أمري!
كيف يقتتل المسلمون وهم أبناء ثقافة واحدة يتبعون دينا ًوتوجها واحداً؟!
فنرى دماءً مسلمة تهرق بأيد مسلمة بفتوى من علماء مسلمين!!
كيف؟ ولماذا؟ ولصالح من؟
عدت بذاكرتي إلى المقولة (الدين أفيون الشعوب)، طالما أنَّه لا تحريف في النصوص فأين الخلل؟ أين الخلل حتى بات الدين مخدراً للعقول ومعطلاً للإرادة؟
نعم ليس الخلل في ديننا، ولا نشك بذلك، فديننا يدعو للعلم ويدعو للوحدة ونبذ الفرقة ويدعو للتفكر والتدبر ليمارس الإنسان دوره الأساسي في خلافة الله في الأرض.
فأين الخلل؟!
إنَّه في الفهم، فكثير منَّا من يقرأ النصوص كما يريد هو، لا كما أراد صاحب النص، وحتى يقرأ النص كما يريد منه أحد أسياده من ذوي البطش والطغيان لترسيخ أجندة معينة لا نعرف مصدرها، أو لتثبيت نفوذ وهمي، أو لأطماع لا تشبع نهمهم حتى يملأ أفواههم التراب.
إنَّه في أشخاص بعض أدعياء العلم ممَّن نصبهم مَن سلبهم إرادتهم وعقولهم وحتى دينهم، فعبر مسيرة الثورة رأينا هؤلاء يتقلبون في الفتوى كما تتقلب الحرباء في لون جلدها.
فأصبح أدعياء العلم هؤلاء للقواد بمثابة المحلل للمرأة المطلقة، يميطون عن وجههم القميء ما علق من دنس أفعالهم.
يمجدون أشخاصاً مجرمين ويبيحون لهم كل ما يفعلون في سبيل لقمة العيش الذليلة.
نحن لا نقول أنَّ العالم معصوم عن الخطأ، فهو بشر، إنَّما الإتجار بالدين هو ما نعنيه في حديثنا، أن نستخدم الدين كما نهوى نحن أو كما يهوى المتنفذون فنكون قد خسرنا ديننا بدنيا غيرنا، نكون قد ساهمنا في تشويه ديننا وجعلناه أفيوناً للشعوب البائسة التي حررها الإسلام بعدله ودعوته للعلم.
قيل لأحد العلماء: لماذا تدرس اللغة العربية؟ فرد قائلاً: نأكل بضرب زيد عمراً خير من أن نأكل بقال الله وقال رسول الله.
ولكم استوقفني حوار سيد قطب مع ذلك الشيخ عندما جاءه ليقول له أن انطق بالشهادتين لأنَّك ستموت، فابتسم قائلاً: يا هذا نحن نموت من أجل لا إله إلا الله وأنت تأكل العيش بلا لا إله إلا الله.