يوسف القرشي |
أُولى معالمِ ازدهار الأمَّة يُرى في تعاملاتِ أبنائها فيما بينهمْ، فإذا كان الداخل المجتمعيُّ صحيحاً مُعافى كانت الأُمّة في حالة نماءٍ وقُدرة على تطوير ذاتِها داخليّاً وخارجياً، وإذا كان العكسُ شرطاً كان العكسُ نتيجةً.
في حالةِ المجتمعات المتقهقرة نرى أن الغوغائية في التعامل هي الحَكَم هناك، وأنَّ سياسة الغابة هي السياسة النافذةُ فيما بين الأفراد.
هذه العبثيّة في التنظيم الداخليّ لتلك المجتمعات أحدثت شرخاً كبيراً في بُنيانها، وهذا الشرخ كان له التأثير الأكبر في ضعف تلك الدّول على مستوى الخارج.
أبسط مثالٍ على ذلك هو مفهوم الدَّور أو الطّابور. عندما تشاهدُ كتلاً من الأجساد البشريّة تتصارع لأجل الوصول إلى نافذة حكوميّة، أو لأجل شراء منتج ما، وقتَها تستطيع أن تعرف السبب الحقيقي وراء تخلّف ذلك المجتمع وسهولةِ انهيار بُنيَتيْهِ الداخليّة والخارجيّة.
وفي المقابل، فإنّ الدّول القويّة على مستوى الخارج دائماً ما تُعطي اهتماماً كبيراً لمناحي الحياة الداخليّة مهما بدتْ غير مهمّة، فمثلاً في تأمّلي لمجرى الحياة اليوميّة في الداخل التركيّ وجدتُ أنّ مفهوم الدَّوْر حاضرٌ وبقوّة في جميع مظاهر الحياة الاجتماعيّة هنا، فحتّى لأجل انتظار (الباص) ترى الأفراد قدِ انتظموا ذاتيّاً في رتلٍ، رافضين أيّ عشوائيّة أو عبثيّة.
كمْ أرجو لتلكَ المجتمعات الهشَّة أنْ تصحو من رقادِها، وأنْ تعملَ على توعية أبنائِها والنهوض بهم اجتماعيّاً؛ فذلك هو السبيل الوحيد لأنْ تستعيدَ أمَّتُنا الإسلاميّة مجدَها كما كانَ قبلاً.