غسان الجمعة |
أبرمت الحكومة التركية ونظيرتها الليبية المعترف بها من هيئة الأمم المتحدة في نهاية نوفمبر-تشرين الثاني مذكرتي تفاهم تخص الحدود البحرية والتعاون الأمني بين البلدين، وسارعت تركيا لتسجيل المذكرتين في الأمم المتحدة باعتبارهما اتفاق دولي يخدم مصالح الدولتين.
الاتفاق يهدف لترسيم الحدود البحرية بين البلدين (القاع البحري المشترك) والتعاون والتنسيق على المستوى الأمني والعسكري وهو أمر تضمنه الأعراف والقانونين الدولية، ويهدف بالدرجة الأولى لضمان حصة البلدين من احتياطات الطاقة على سواحلهما، غير أن النظام المصري رفض الاتفاق المُوقَّع على المذكرتين مدفوعاً بدعم ما بات يعرف بالناتو العربي (الإمارات، والسعودية، والبحرين) رغم الزيادة في مساحة الحصة المصرية في الترسيم بين تركيا وليبيا عمَّا هندسته إسرائيل وقبرص واليونان في تقسيمها لحصص دول حوض شرق المتوسط.
تداعيات هذا الرفض تنطوي على صراع خلقته دول الناتو العربي لتقويض النفوذ التركي بحجة عدم التدخل بالدول العربية لإرساء حكم جنرالات العسكر في بلدان الربيع العربي، ولتصفية حسابات خاصة مع أنقرة، فالنظام المصري الذي تنازل عن مياه النيل لإثيوبيا مقابل تنفيذ اتفاقية توثق شرعية انقلابه لن يثنيه التنازل عن مياه البحر مجدداً لأي طرف، إلا أنه يريد فتح صراع مع دول تنكر شرعيته ووجوده من باب الابتزاز والنكاية السياسية لا أكثر.
كما أن السعودية بموقفها الداعم لحفتر المطلوب من قبل حكومة الوفاق الشرعية ليست بصدد الدفاع عن الأمن القومي العربي كما يصرح مسؤولها بخصوص التعليق على الاتفاق بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، إنما تهدف إلى مواجهة النفوذ التركي المتنامي لدى القاعدة الشعبية (العربية) في ظل السياسات التي تتبعها أنقرة لمد جسور الثقة مع هذه القاعدة بعيداً عن أنظمتها وذلك بدعم تطلعاتها ومطالبها.
كما أن كل من السعودية والإمارات تريد شيطنته اللاعب التركي في المنطقة بسبب وقوفها إلى جانب قطر في الحصار الذي فرضته دول الناتو العربي عليها وموقف أنقرة الثابت من اغتيال الصحفي خاشقجي ومساعيها في كشف الدور الإماراتي الذي لعبته ليلة الانقلاب وما عقبه من عمليات استهدفت الاقتصاد التركي والليرة التركية.
ربما تسعى أنقرة لمصالحها ولتوسيع نفوذها، إلا أنها تخطو على أرضية مشتركة مع تطلعات شعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه نشاهد سياسات كبرى دول العربية تصب في مصالح أعدائها، فالعراق وسورية وليبيا واليمن وسواها من دول الربيع العربي تُركِت فريسة لإيران وروسيا والدول الغربية في وقت كانت شعوب هذه الدول تأمل من أشقائها العون والمساندة كانت هذه الأنظمة تحيك المؤامرات وتدعم كل ما من شأنه تقويض مطالب شعوبها.
في النهاية قد ينتقد البعض تصرفات أنقرة بسبب مواقفها أو تصرفاتها تجاه بعض القضايا والمسائل كما حصل مؤخراً في قمة ماليزيا التي دُعيت إليها إيران التي تعتبر سِكيناً في خاصرة الشعوب العربية، إلا أنه يمكننا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً: ما هي الفائدة التي حصلنا عليها من أطراف تتغنى بمقاطعة إيران ومحاربتها؟
نحن شعوب جعلت من القشة على خفة وزنها مضرباً للمثل بالنجاة من الغرق لن نجازف بخسارة دولة بوزن تركيا تحاول مدَّ يدها لمساعدتنا ضمن إمكانياتها “فالرمد أحسن من العمى”.