ليس صواباُ أن نتعامل مع مشكلاتنا دائماً بردود الأفعال، ولا عن طريق الحلول الآنية والمرحلية، .. على الغالب هذه الطريقة لن تكون نافعة في الأيام القادمة، وهي أساساً غير مجدية عندما تصبح المشكلات والأزمات أكبر من المعتاد، لأنها لم تعد ثغرات يمكن سدّها، بل أصبحت فجوات كبيرة تحتاج إلى جهود ربما أكبر من تلك التي نمتلكها .
هذه الحقيقة تجعل من الواجب علينا دائماً أن لا نكتفي بسد الثغرات، وإنما علينا دائماً أن نفكر بالفجوات المستقبلية الممكنة، ونعمل على منع حدوثها قبل أن تحدث وتصبح خارج ممكناتنا الفعلية .. هذا الأمر ينطبق على المجاعات المقبلة في ما بعد مضايا، وعلى سيناريوهات الحصار التي تهدد الشمال بشكل دائم دون تحرك حقيقي لفعل ما يلزم لحماية حوالي مليون سوري يقطنون في الشمال . وكذلك على المفاوضات القريبة، وربما على مضايا نفسها بعد شهر من الآن عندما تنتهي المساعدات المقدمة وتعود المجاعة إلى الواجهة .
الجوع يحرك الإنسان أكثر من السياسة، ولكن المصيبة أنه لا يستطيع تحريكه إلا بعد أن يحدث، فيما يبقى الإنسان متقاعساً قبل الجوع على أمل أن لا يحدث، أو على أمل الموت قبل الحصار في الحالة السورية . بينما السياسة دائماً قادرة على تحريك كل شيء قبل حدوثه بفترات طويلة، وربما تكون المتحكم في كيفية حدوثه وحركته، أو من المفترض أنها كذلك، فالسياسة السورية (أقصد هنا سوريا الحرة) لازالت تتفاعل بردود أفعال طفولية ولا واعية .
ما نحتاجه لكي نتقن السيطرة على الفجوات المقبلة هو شيء من الجوع ممتزجاً بسياسة واعية، جوع سياسي، يفكر أنه لا يريد الموت، ويتقن فن المساومة . للحفاظ على المستقبل بعيداً عن الفجوات التي تفوق ممكنات المرحلة الراهنة . مع ملاحظة شديدة الأهمية: الممكنات في تناقص مطّرد .
المدير العام / أحمد وديع العبسي