تعددت أطراف النزاع السوري والموت واحد، فالفقدان متزايد، والأمن معدوم، لكن لم يعد يهتم الشعب السوري بالطرف المسيطر على مكان وجوده بعدما قتل منه مئات الآلاف، بقدر اهتمامه بمدى توفر حاجاته الأساسية للحياة، فغايته الوحيدة تأمين لقمة العيش والمستلزمات الضرورية.
ففي أكثر الحالات يعتبر مالك المال والسلاح تحت أي مسمى كان هو المتحكم بمجرى الحياة والمسيطر على أرض الواقع بغض النظر عن الجهة الحاكمة، إلا أنَّ الفئة المتضررة من أبعاد الحرب هي الأكثر انتشاراً، غلب عليها الفقر من كافة النواحي، فلم يتبقَ أي شيء يخسروه لأنَّهم نالوا نصيبهم من القتل والحصار سواء كان بمناطق سكنهم السابقة أم بأماكن نزوحهم، لذا قرر الكثير من السكان المكوث بديارهم والتمسك بأرزاقهم مقتنعين بمقولة ” من له عمر لا تقتله شدة “.
بينما نجح الكثير من السوريين باختصار مشقة الحياة من خلال مغادرة البلاد، كنازح لمناطق سيطرة النظام الأخف حدة نسبياً من تأثيرات القتال العسكري، وكلاجئ هارب من الحرب لأوروبا، ليوثق حوالي 8 مليون كلاجئ كما أورت منظمة الأمم المتحدة، فسوريا أصبحت تحت وطأة النظام من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى، وفي كلا الحالتين باتت مقومات الوجود صعبة المنال وغير متوفرة
كلياً من (ماء، كهرباء، غاز، محروقات، خبز).
بعد صرخة درعا بوجه النظام البعثي كانت أحياء السنة في مدينة اللاذقية أول من لبَّى النداء، من غير معرفتهم أنَّ النظام سيقمعهم بهذه الطريقة، ويواجه صوتهم بسلب المتبقي من حقوقهم كونهم من السُّنة الفئة المتضهدة، متبعاً سياسة الحرمان ليخضع إرادتهم، فإذا ما واجه النظام المنتفضين من أهل السنة في اللاذقية بنقص بعض المواد مع الاعتقال وتقييد الحريات بالتهديد المباشر، تعاني المناطق المحررة التهميش من قوات النظام حينما حاصرتها وقطعت الطرق عنها أحياناً، بالإضافة لشبه انعدام لوسائل البقاء، ناهيك عن غياب الأمان لأنَّ طائرات النظام وحلفائه من الممكن أن تحصد أرواح العشرات من المواطنين في دقائق بصواريخها وبراميلها، ممَّا جعل أغلب المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شبيهة بالمهجورة.
فجأة تحول الوطن إلى سجن كبير، نترقب داخله أحداث النزاع بمعاناة كبيرة مترافقة بصمت عالمي متعمد هدفه تأجيج الصراع داخل بلدي لخدمة مصالحهم السياسية والاقتصادية.
80% من الشعب السوري فقير، 70% من المنشآت الصناعية مدمرة بحسب منظمة الأسكوا بعد الحرب وهذا أكبر دليل على تدهور الاقتصاد بمحافظات سوريا أجمع وبالتالي تفشي البطالة عامة.
فمن هرب من مناطق سيطرة نظام الأسد ليتخلص من ابتزازه والغلاء الفاحش، إلى منطقة محررة أنصعق بخبر خطف أو فقد لغالٍ أثناء تجواله بين متاهات الحياة الضيقة باحثاً عن فرصة عمل توفر مالاً له يصارع به قهر الواقعً.
شهيد، فقيد، عسكري، فقير، الله يرحمه، حمدا لله على سلامته، خوف وتذمر، تلك هي الكلمات الأكثر تدولاً على ألسنة الشعب السوري في مناطق النظام أو المعارضة، وبهذا يكون الشعب السوري رمزاً للإصرار والتحدي بعد تحمله كافة مشقات الحرب.
ميرنا الحسن