أحمد زكريا |
يطرح هبوط الليرة السورية المتسارع، الذي وصل في الأسبوع الماضي إلى أكثر من 800 ليرة للدولار الواحد، العديدَ من الأسئلة حول الأسباب القريبة والبعيدة لهذا الانهيار.
وتوضيحًا للأسباب التي تقف وراء ذلك، قال خبير دراسات بلاد الشام في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) في أنقرة الدكتور (سمير العبد الله) لحبر: “لا يمكن حصر سبب انهيار الليرة السورية وتراجعها بهذا الشكل بسبب واحد، فهناك كثير من العوامل أدت إلى ذلك ومنها:
-القيود على المصارف اللبنانية، وعدم قدرة التجار السوريين على سحب أموالهم من تلك المصارف، بعد أن وضعت قيوداً على ذلك، وكذلك العقوبات على النظامين السوري والإيراني، وتخبط السياسة المالية والنقدية للحكومة والبنك المركزي، والخلل بالهيكل الاقتصادي، وخاصة بعد أن فقد الاقتصاد من ناتجه المحلي النفط والسياحة، وتراجعت الصادرات من 12 مليار دولار سنة 2012، إلى 1 مليار دولار سنة 2018، وتراجع الناتج المحلي من 60 مليار دولار قبل سنة 2011 إلى 12 مليار دولار سنة 2018، ووصلت نسبة السكان ممَّن هم تحت خط الفقر حوالي 90% من مجمل الشعب السوري، بالإضافة إلى انعدام الاستثمارات نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية، وصعوبة نقل البضائع. كذلك تم تبديد الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي خلال الأحداث التي عاشتها سورية بعد 2011، والمقدر بـ 20 مليار دولار، وإحجام كثير من التجار عن الاستيراد، وذلك لصعوبة توفير القطع الأجنبي، وعدم عودة آبار النفط والغاز في الشمال والشمال الشرقي السوري إلى سيطرة النظام، حيث كانت حكومة النظام تعول على عودتها لتدر إيرادات لها من العملة الصعبة.”
وأضاف لعبد الله أن “الأمور تتجه للأسوأ، ومن سيعاني من جراء انهيار العملة هم السوريون في الداخل السوري سواء في مناطق النظام أو المعارضة، ويعول النظام على الحصول على مساعدات مالية من حلفائه كروسيا وإيران، أو بعض دول الخليج التي تتعامل معه سراً، ليتمكن من الصمود أكثر اقتصاديًا.”
ولم يقتصر انهيار الليرة السورية على ارتفاع الأسعار وحسب في مختلف الأسواق في الداخل السوري، بل تعداه إلى شح كبير في المواد الرئيسة والمواد الغذائية، إضافة إلى هاجس القلق الذي بدأ يتشكل لدى السكان مع حلول فصل الشتاء والمصاريف اللازمة له.
وبالعودة إلى أسباب انهيار الليرة السورية، أوضح الباحث في الشؤون المحلية السورية (فراس السقال) أن “نظام الأسد لا يزال يمارس حمقه في إدارة البلاد، ومن تلك الحماقات توريط سورية بمزيد من الانهيارات الاقتصادية، التي جعلت من دمشق مستنقعًا للتجارة الفاشلة والاستثمارات الخاسرة”.
وأضاف السقال في حديثه لـ “حبر”، أن “من أهم الأسباب الكارثية في تهاوي الليرة السورية التي تشترك فيها السياسة مع الاقتصاد هي: سوء إدارة دفّة القيادة المالية وفسادها، وسيطرة عائلة الأسد على خزانات الأموال في الأسواق، وقيام التجار بتهريب أموالهم واستثماراتهم خارج البلاد بعد أن تدهورت أوضاع الليرة في دمشق وحلب، وانعدام الثقة بين التجار(الشبيحة) وشركائهم رؤساء الفروع الأمنيّة ما جعل العداوات تنشب بينهم، ودراسة التعامل بالعملة الأجنبية في المناطق المحررة بدلاً من الليرة الساقطة برعاية الحكومة المؤقتة، والعملية العسكرية التركية في الشمال التركي وما أفرزته من ضرب منابع النفط التي كانت تسيطر عليها وتغذي النظام بالمحروقات الأساسية، والأوضاع السياسية المتوترة في المنفذين الذين يعتمد عليهما النظام السوري (بغداد وبيروت)، وتصاعد التوترات بين المحتل الروسي والنظام السوري واحتمال كبير في تخلي موسكو عن حماية ربيبها الأسد، وقيام النظام بتعويم أوراق نقدية فئة 2000 رغم أنها معدومة الرصيد ورفض التجار التعامل بها، بالإضافة إلى إضراب التجار في الحريقة (مستودع الأموال) قلب دمشق بعد التدهور الكبير لليرة السورية.”
وتحاول قوات نظام الأسد استخدام القبضة الأمنية من خلال مداهمة محلات ومكاتب الصرافة في مناطق سيطرتها، على أمل أن يساهم الأمر في تراجع انهيار الليرة، إلا أن كل تلك المحاولات لم تلح وسط حالة الضيق والتململ بين المدنيين في مناطق سيطرة النظام الذين لا حول ولا قوة لهم أمام الحالة التي أوصلت آلة القتل الأسدية الروسية الإيرانية، الليرة السورية إليها.