عبدالله درويش
في كل عمل يكون هناك تقويم للنتائج لقياس مدى نجاح ذلك العمل، ومن لا يُجري تقويماً بشكلٍ دوري يجد نفسه في دوّامة من الفشل المتراكم، فالتقييم والمراجعات ليست للتّشكيك والخذلان بل للمتابعة والاستمرار بالنجاح.
منذ انطلاقة الثورة نتج أثناء مسيرها أخطاء عديدة، وهذا أمرٌ طبيعي في أيّ حراكٍ شعبي، ولكن ما هو غير طبيعي أن نترك الحبل على غاربه دون النظر إلى الوراء، وفي كل مرّةٍ يطالب البعض بالمراجعات لتدارك الأخطاء ترتفع أصوات تندّد بها ويقرّرون ” ليس الآن وقت المراجعات”؟!
وبذلك ترسّخت تلك الأخطاء وتراكمت مما أدّى إلى فقدان الثورة لألقها، وخسرت كثيراً من الحاضنة الشعبيّة، وبات الناس يقابلون ما يقوم به الثوار مع النظام، ويطلقون عبارات التبرّم من تصرّفات بعض الثوّار الذين انحرفوا عن مسار الثورة ومبادئها في دفع الظلم وترسيخ العدالة الاجتماعيّة.
أصبحت المخالفات والأخطاء أمراً مباحاً بحجّة التّسليح لكثير من الثّوار، وبحجة أنّهم يدافعون عن النّاس، ما جعل من البعض مجرّد قطّاع طرق باسم الجهاد!
وكيف لمجاهدٍ في سبيل الله أن يرتكب الموبقات باسم الله؟!
لقد غلبت على المؤسّسات الثّورية المصلحة الشخصيّة وليس المصلحة العامة، فعمّ الفساد ونخر في جسمها حتّى بات هزيلاً، والقرارات لم تكن عادلة، ولم يكن مخطّط لها بالشكل الكافي، بل كانت ارتجالية، مما أحدث إرباكاً للمؤسسات ووضعها موضع الاتّهام.
والفرقة باتت سمة ًغالبةً على مختلف نواحي الحياة من الفصائل إلى المنظّمات إلى الخطاب الديني، مما جعل عدونا يقف مشاهداً شامتاً من اقتتالنا مع بعضنا.
وفي الجانب الأمني غابت تماماً الحيطة في نشر الأخبار، وفي تتبع الأشخاص المندسّين في صفوف الثوار، والذّين ظهروا عندما تمّ الحصار، فتحركت الخلايا النّائمة لتحدث الفوضى، ولتفتعل الخلافات التي أدّت إلى الاقتتال الداخلي، واختُتمت بانتقال كثير ممّن شغلوا مناصب ثورية إلى حضن النظام.
وبعد سقوط حلب بأيدي النظام والميليشيات الإيرانيّة، باتت المراجعات خياراً ملحّاً لتدارك الأخطاء والحفاظ على ما تبقّى من أراضٍ محررة بأيدي الثوار، هذه المراجعات ليست من باب الإرجاف بل من باب معرفة نقاط الضّعف لتلافيها والتخلُّص منها لمعاودة الانطلاق من جديد في مسيرة الثورة قبل فوات الأوان، فالخطر بات داهماً، والتحدّيات التي نواجهها أكبر من مراعاة شعور أشخاص أو جماعات، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، نكون أو لا نكون، فمعركتنا الآن هي معركة وجود، وإذا كنّا صادقين في دعوى الاستمرار فيجب ألا ندع المحسوبيّات والمصالح الشخصيّة والعواطف هي التي تتحكم في المرحلة القادمة.
ومنذ اللحظة علينا المبادرة للعمل، كلٌ من موقعه، ونشر ثقافة النّقد والجرأة في الحقّ لكيلا نتيح لتشكّل طغاة جدد من أبناء جلدتنا يهدّمون ما ضحّى من أجله شهداؤنا، لمجرد تحقيق أوهام في بناء صرحٍ من مجدٍ شخصي في القيادة أو الإثراء على حساب الشعب الذي عوّل كثيراً على هذه الثورة، وراهن على نصاعة مبادئها في تحقيق العدالة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة.