لا يذهب العقل العربي في العصر الحديث عند إطلاق لفظ الاستيطان إلا للعدو الصهيوني وبنائه المستوطنات فوق أرض فلسطين المغتصبة، حيث يبدأ شريط الذكريات المؤلمة بعرض أفعال الاحتلال الصهيوني الاستيطانية، فمشاهد اقتلاع أشجار زيتون الفلسطينيين وهدم بيوتهم والاعتقال والضرب ماتزال تحفر في ذاكرة كل مشاهد ورافض للاستيطان الذي هو تجميل لكلمة احتلال.
ما دعاني للحديث عن الاستيطان هو إعادة طرقه لمسامعنا ومرور حروفه أمام عيوننا من جديد لكن في سورية وليس في فلسطين، إذ إنه في عفرين السورية أصبح له دلالة أخرى لدى إرهابيي pyd والخلايا المختبئة التي بدأت تمارس أعمال القنص والخطف وتفجير العبوات بحق النازحين السوريين منطلقين من تفكير عنصري انفصالي لا يمثل معظم أكراد سورية، إذ بات السوري على أرضه مستوطنًا بمفهوم استيطان الصهاينة على أرض فلسطين، ففي يوم الثلاثاء الماضي انتشر عبر وسائل التواصل منشورًا لما يسمى بمجموعة الشهيد روجهان مفاده “أنه قُتل في العملية المدروسة ثلاثة مستوطنين قدِموا إلى مدينة عفرين بهدف الاحتلال تنفيذًا لسياسة تركيا الشيفونية” وهم يقصدون بذلك المهجرين قسرًا نحو الشمال السوري.
بغض النظر عن سياسة تركيا ووجودها في سورية، فما يهمنا التعليق على وصف الاستيطان، والسؤال: متى كان السوري مستوطنًا محتلاً في أرضه؟! وهل مليشيا pyd تتحدث باسم كل أكراد سورية أم أنهم ثلة إرهابية يمثلون أجندتهم وما أُوكل إليهم؟! وهل السوريون يميزون بين أعراقهم ويمنع العربي الكردي السكن والإقامة على أرضه وبالعكس؟! وهل الأرض السورية مقسمة تاريخيًّا؟! وما قولهم بوجود روسيا وأمريكا وإيران ومرتزقة النظام على أرض سورية وفي المناطق ذات الأغلبية الكردية هل هم ضيوف أم أصدقاء أم أصحاب حق على أرض غيرهم أم ماذا؟!
وأخيرًا ما الفرق بين ميليشيا pyd وتبعيتها لحزب pkk وبين داعش وما يقوم به الطرفان من عمليات إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن وقتل المدنيين على اختلاف تصنيفهم والأسباب التي يتخذها كل طرف؟!
ربما الإجابة تطول على كل الأسئلة الواردة لكن حسبنا القول إن السوريين على مرَّ تاريخهم عاشوا وتعايشوا على أرضهم دون تفرقة، فالعربي جاور الكردي والكردي جاور العربي سكنًا وتجارة وزواجًا وفي كل شيء مجتمعي وهو ما عليه كل السوريين فما جمعهم المواطنة لا عرقهم، وعليه فإن هذا التفكير الطائفي والانفصالي لم يأتِ ويدخل سورية إلا زمن النظام الحالي.
إن وصف هذه الميليشيا الانفصالية ومن يصف السوريين المهجرين بالاستيطان وأفعاله التي تتناسب وما قام به الصهاينة، هم الدخلاء على المكون الكردي السوري قبل العربي، بل إنهم أداة النظام السوري الذي صنعهم وبرمجهم لاستكمال مشروعه الطائفي، فممارساته ضد أكراد سورية وصلت إلى حرمانهم من الجنسية السورية فضلاً عن اغتصاب ممتلكاتهم، فما ميليشيا pyd إلا مشروع النظام ضد الأكراد لعزلهم عن محيطهم السوري بتعزيز الفكر الانفصالي واستغلال مظلومية الكرد وتمريرها على عقول البسطاء وإغرائهم بالمال وربما بالابتزاز وأحيانا بممارسة السطوة والقوة واقتياد أبنائهم إلى الخدمة الإجبارية، وكل تلك الممارسات التي آخرها نعت السوريين بالمستوطنين وإحداث عمليات إرهابية يضعهم وداعش في العملة التي صُكت لشرائهم بغرض تفكيك المكون السوري والقضاء على حقوقه.
أخيرًا إن الاستيطان الحقيقي ما يفعله النظام السوري من جلبه للمرتزقة وتوطينهم على أرض الذين هجرهم، بل وأعطاهم الجنسية السورية وجعلهم سوريين.