تحدثنا في افتتاحية العدد الماضي عن الجزء الأول، ولم تمضِ أيام قليلة حتى أُسدل الستار معلنًا بدء الجزء الثاني.
الملفت يا سادة أنَّ مدرَّجات المسرح كانت فارغة، فقد ملَّ المشاهدون من تكرار العرض، وقرروا أن يلتزموا بيوتهم منتظرين أخبار المَشَاهد الأخيرة، أو لربما هو الخوف من تلك الوجوه المستورة تحت أقنعة التمثيل السوداء، لكن هذا لم يثنِ الممثلين عن بدء عرضهم وإصرارهم عليه غير آبهين بالذين أصروا على عدم الحضور.
التحضيرات لهذا الجزء كانت مختلفة بعض الشيء لسابقه، وأبرز ما يميّزه هو اندماج الممثلين – شكلياً – في كيان واحد، ومن رفض الاندماج كانت عقوبته أن أصبح الكومبارس.
أما البطل فتم تغييبه، رغبة منه بذلك كيلا يستثنى من المشاهد الأخيرة، فقد شاهد وشارك في المسرحية الأولى، وسجل كلَّ الملاحظات التي تحفظ بقاءه، لكنَّه لم يكن على دراية بأنَّ المُخرج من سمح له بذلك. وربما لا يسمح له في هذا الجزء أن يخرج سالماً، خاصة أنّ ما يطلبه من أجور، ربما يفوق ميزانية العرض كاملاً، وهناك ممثلين جدد مستعدين للعمل بنصف التكلفة، وربما أقل من ذلك.
لكن هذا البطل ليس كباقي الأبطال الذين اعتدنا على مشاهدتهم كمنقذين ومصلحين، بل هو بطلُ كسرِ الإصلاح، وبطلُ التقسيمِ.
ولكي يستحوذ على خشبة المسرح كان لا بدَّ له من القضاء على باقي الممثلين، إمَّا باستمالتهم للاندماج، أو بالقضاء عليهم والحجج كثيرة.
ممثل واحد وقف عثرة كبيرة في وجهه، ممثل يعشقه الجمهور ويرون فيه حلمهم ومستقبلهم وخلاصهم من هذا المسرح المشؤوم. ولكن للأسف هذا الممثل يبدو وحيداً بعد أن تمّ القضاء على جميع رفاقه في عروض سابقة، ولم يبق منه إلا رمزيته التي تسكن قلوب الجماهير الحالمة.
إقرأ أيضاً: مسرح اللامعقول (1)
لكن الشيء الذي لم يكن بالحسبان هو تفكيك هذا الجسد الهش الذي تم بناؤه على قاعدة التطرف، فبات الممثلون ينفكون عن الجسد المريض حتى عاد كما كان سابقا، وآن الآوان لاجتثاثه.
عنصر المباغتة والمفاجأة واستباق الأحداث لن تنفع، وفهم السياسة بالعقلية المريضة ذاتها لن تبني مشهدا دراميا سليما، والأيام القادمة رسمتها الأقنعة السوداء باللون الأحمر، ولم تترك طريقة أخرى غير ذلك.
لم يكن أحد يتمنى أن يعرض الجزء الثاني على مسرح اللامعقول ولَّكنه بدأ، وستكون تكلفته باهظة الثمن وللمرة الثانية، بيد أنَّها ستكون الأخيرة التي سندفع بها، وسيتم حرق هذه الخشبة بمن عليها، ولن نكون المشاركين في غيرها، وسنقوم ببناء مسرحنا الخاص بنا، ونصيغ السيناريوهات، ونصنع النص الخاص بنا، فلا بدَّ للعرض أن يستقيم.