مسرح اللامعقول نوع لا تجده إلا في المسرحيّات الخرافية عندما ينظر إليها كفن، أو تلك التي تنطوي على سُخْف وحبكة لا منطقيّة، ومشاهدين سذج.
اليوم بتنا نشاهد على عتبة مسرح الواقع بعضًا من تلك المسرحيات، ولعلَّ المسرحية اللامعقولة التي حققت أكبر نسبة مشاهدة هي مسرحية داعش، من خلال بدايتها المجهولة التي تعزى إلى البعثيين العراقيين تارة، وتارة أخرى ينظر إلى التنيظم على أنَّه صناعة من النظام السوري، والنظام يتهم تركيا بتلك الصناعة، والمعارضة السورية تتهم إيران فيها، ويتشابك المشهد الاتهامي أمام المشاهد اللاواعي أيضا، الذي يحلم بإقامة دولة إسلامية، فيرفض كلَّ هذه الاتهامات، ويرى في داعش حلمه في إقامة دولة إسلامية تقيم العدل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وفي ظلِّ تشابك الخيوط على الأرض وتداخل المسرحيات، قرر بعض المشاهدين ألّا يكتفوا بالمشاهدة ويأخذوا دورهم في التمثيل، ويمضوا لتحقيق حلمهم في إقامة تلك الدولة.
بلغت داعش ذروة توسعها في العراق وسورية، وشعر ذلك الممثل بروعة العرض، لكنَّه صُدم عندما اكتشف أنَّ القاعدة التي انطلقت منها المسرحية هي قاعدة سخف وقاعدة غير معقولة، حتى وصلت اليوم لنهايتها، فقد خسرت داعش ما يفوق 80% من أراضيها التي سيطرت عليها في العراق، وما يزيد عن 40% من أراضيها في سورية، بوقت قليل جداً فاق أوقات البروفة المرهقة، وقد شارفت المسرحية بجزئِها الأول على نهايتها، وهذا ما يتفق عليه الكثير من الفنيين.
ماذا حققت داعش؟ وهل نالت هذه المسرحية إعجاب المشاهدين، ونالت رضى القائمين عليها؟
استطاعت داعش أن تجند الكثير من السطحيين والمتحمسين للدين تحمساً أعمى لا يرتكز على أي بصيرة أو تفكر، من جميع أنحاء العالم، واستطاعت أن ترسم في أذهانهم الفارغة حبكتها المتطرفة، التي تمثلت بتحرير الكثير من الأراضي المحررة! وأبدعت في رسم العديد من الصور التشويهية للدين الإسلامي، بأحدث وسائل التصوير وبثتها للعالم كإبداع في عالم الموت والجريمة.
هذه الصور ستبقى راسخة في عقول أصحابها، ومن تابعها حتى بعد نهاية المسرحية، فهي ضرورية جداً من أجل التحضير للجزء الثاني، الذي ينتظره المشاهدون بفارغ الصبر لا تشوقاً، وإَّنما تخوفاً وألماً.
يجري التحضير للجزء الثاني، بوتيرة غير متسارعة، وقد وصل إلى العقدة، لكن هل سنستطيع التعديل في السيناريو قبل وقوع الكارثة؟ أم أنَّ التكرار سيحكم المشاهد مرةً أخرى؟ وهل سنستفيد من مسرحية داعش، أم أنَّنا سنعاني من رداءة الأداء مرة أخرى مع ممثلين مختلفين، ودماء جديدة تراق على مذبح اللامعقول؟
السياسة الخارجية الحاكمة، تمتلك قدرة كبيرة على مسك خيوط العروض التي تريد إنتاجها، وتحريكها في الاتجاه الذي يخدم مصالحها فقط ويحقق مشاريعها، ولذلك فهم يحترفون لعبة الاتهامات التي أشرنا إليها في بداية كل عرض.
كمشاهدين لا أعتقد أنَّنا نستطيع أن نفعل أي شيء، لكن إذا قررنا تغيير دورنا كأصحاب للخشبة، فحكماً نستطيع تعديل السيناريوهات، وصناعة النص الخاص بنا، فمن انتفض رافضا الذل والعبودية، يمكنه الانتفاضة مرة أخرى وثانية وثالثة حتى يستقيم العرض على الشكل الذي آمن به.
2 تعليقات
أيمن عطار
رااائع
Pingback: مسرح اللامعقول 2 (بَدَأَ العرض) | صحيفة حبر