موسى الرحال
تشهد المناطق المحررة انتشاراً واسعاً لآلات تكرير النفط البدائية التي تمّ إحداثها لتأمين المحروقات للمناطق المحررة بعد صعوبة تأمينها من مناطق سيطرة النظام، حيث بدأت هذه الظاهرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام بسبب الارتفاع المتزايد في أسعار المحروقات نتيجة خطورة طريق العربات الناقلة لها، وواقعه تحت نيران طيران النظام.
تُعدّ مصافي التكرير هذه تجارة بعض الأشخاص، لأنَّ من يقوم عليها أشخاص من العامة، وتبلغ تكلفة المصفاة أكثر من 2500 دولار.
يتم تأمين المادة الأوليّة اللازمة للتكرير من آبار النفط الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، أو الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، ويطلق على هذه المادة اسم محلي تعارف عليه أصحاب المصافي يسمى (الفيول).
معظم العاملين في هذه الآلات أشخاص لا يكترثون لخطورة ودقة عملها، حيث يتم تكرير النفط بوضع الفيول بخزانات مخصّصة يتم تعريضها لدرجات حرارة معينة حسب حجم الخزان، ويتم التحكم بدرجة الحرارة حسب نوع المادة المستخرجة، فبداية يتمُّ استخلاص مادة البنزين عن طريق أنابيب متصلة بأعلى الخزان لتمر بحوض تبريد يحوي الماء، فيتكاثف البخار ويتجمع معطياً البنزين، وعند رفع درجة الحرارة بنسبة أكبر تخرج مادة الكاز بنفس الطريقة السابقة، وتستمر عملية التسخين حتى استخراج مادة المازوت المستخدمة في التدفئة وجميع الآليات كالمولدات والسيارات وغيرها.
القائمون على هذا العمل أناسٌ من عامة الشعب، وأماكن هذه المصافي أماكن خاطئة لا تصلح لعملٍ كهذا، فأكثرها لا تبعد بضعة أمتار عن منازل المدنيين وغالبية العاملين في هذا المجال أطفال لا يعرفون خطر هذا العمل ولا دواعي الأمان والسلامة أثناء العمل كاستخدام القفازات وارتداء ألبسة خاصة بهذا العمل.
– ماهي سلبيات وأضرار هذه المصافي؟
نسبة الخطر في هذا العمل نسبة كبيرة، لأنَّه يتمُّ العمل مع مواد كيميائية قابلة للتبخر والاشتعال تسبب ضررا كبيرا بالبيئة، ناهيك عن الأضرار الصحية المصاحبة لعمل هذه الآلات كأمراض الحساسية وأمراض جهاز التنفس بشكل خاص، حيث سجلت أكثر من عشرين حالة اختناق سببها قرب هذه المصافي من الأبنية السكنية، بالإضافة إلى ضررها بالمحاصيل الزراعية نتيجة وجود معظمها ضمن أراضٍ زراعية.
رغم خطورة هذه المصافي وكثرة ضررها بالبيئة والإنسان، إلا أنّها جاءت كمنقذٍ للمناطق المحررة، حيث تلافت النقص الحاد لمشتقات النفط بعد قطع طريق ناقلات المحروقات من قبل القوات الكردية، وساهمت في سدِّ حاجة مناطق الثوار للمحروقات، ولا ينكر أحدنا فضلها في تخفيض أسعار المحروقات التي يصبح ثمنها عالياً بسبب منع مرور الناقلات عبر الأراضي الكردية، أو ربَّما توقف تنظيم الدولة عن تصدير النفط من الآبار المسيطر عليها في مدينة الرقة.
انتشار مصافي التكرير بالقرب من القرى أثار غضب معظم السكان بسبب ما يعانونه من أمراض ومشاكل صحيّة سببها الرئيسي الدخان المنبعث أثناء عملية التصفية، ممَّا دفع الكثير منهم لتقديم شكوى للمحاكم الشرعية في المناطق المحررة، وبناء على طلب أكثر الأهالي يتم نقل أو إغلاق كلِّ مصفاة قريبة من المنازل، وتمَّ إمهال أصحاب العشرات من المصافي لنقل آلاتهم بعيداً عن القرى والتجمعات السكنية أو إغلاقها ودفع غرامة ماليّة.
تعتبر المصافي أو ما يعرف (بالحراقات) سلاحا ذا حدين، ولا يمكن الاستغناء عنها، فاستمرار عملها سيزيد من انتشار الأمراض بين السكان، وبالوقت ذاته يزيد من إنتاجية وتأمين ما يكفي مناطق الثوار من المحروقات، وتخفيض الأسعار فيها، وإغلاقها بشكل عام سيولد النقص الحاد في مشتقات النفط، ممَّا يؤدي إلى غلاء أسعارها، وبالتالي غلاء أكثر حاجيات الشعب بحجة غلاء وارتفاع أسعار المحروقات.