أنس إبراهيم
غريبة هي ثورة الشام، فالذي ينبغي أن يتمّ فيها خلال سنين مضت تراه اليوم يتصدّر قائمة الأحداث، والذي ينبغي أن يكون فيها شيء ثابت تقتضيه مصلحة العمل وحفظ الدماء والأرواح في وقت سابق تراه يظهر اليوم على شكل حَمية وطنية جاهلية.
وأمّا ما يُشاع من أنَّه ليس بإمكان الثوار أفضل ممّا كان فيما مضى، فإنّ هذا من أضغاث أحلام اليقظة وسفاهتها، ومن أجندات الفرعون الأخضر الدولاري، ومن مفرزات غرف النوم الليلية “الموم والموك”.
معارك دمشق وحماة الراهنتين ما زالتا بين مصدّقٍ لها ومكذّبٍ لهواجسه حيالها، هل هي معركة إرادة التحرير أم أنَّها معركة رجحان كفة الميزان؟ وهل هي خارجة عن المسار الدولي والإرادة الدولية التي تحاول أن تحتوي بكل إمكانياتها ثورة تغيير الشرق الأوسط الجديد الذي اصطنعوه بأيديهم؟ فلا نريد أن نكرر الفاجعة بدمشق كما فجعنا بحلب من قبل.
لعلَّ الجواب يأتي من متعلقات وارتباطات هذه المعركة؛ فبالتزامن مع معركة “يا عباد الله اثبتوا” التي يخوضها المجاهدون على أبواب دمشق ضد النظام النصيري أطلقت فصائل الجيش السوري الحر العاملة في منطقة القلمون الشرقي معركتين حملتا اسم “طرد البغاة” و”سرجنا الجياد” وذلك بهدف طرد تنظيم داعش بشكل كامل من القلمون الشرقي ومنطقة الحماد والبادية الشامية على حدّ زعمهم بحسب المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية.
إنّ افتعال هاتين المعركتين في هذا الوقت يوحي بتهرّب بعض الفصائل من مسؤولياتها تجاه معركة دمشق التي على ما يبدو لم تكن في حسبان الإدارة الدولية وخارج محورها الوطني الممثّل على الأرض، وتشير إلى أنَّها معركة الأجندات الخارجية، حيث إنَّهم تحت حماية الطائرات التحالف الدولي في البادية؛ لربما يتضح في الأيام القادمة فحوى أهداف معركتهم تلك لكل معاين.
وعلى صعيد آخر نجد تذبذباً واضحاً في بعض المواقف المتخذة من قبل المجلس الإسلامي السوري تجاه كلّ طارئة تحدث في الداخل السوري، فمرة نجده يهرع إلى إصدار البيانات المباشرة والعاجلة، ومنها ما كان في اليوم الختامي لمؤتمر الأستانة بتاريخ 24 / كانون الثاني / 2017 م حيث دعت الدول الراعية لمؤتمر الأستانة الفصائل المشاركة إلى ضرورة قتال (جبهة فتح الشام وداعش) وبعد انتهاء المؤتمر بساعات فقط وفي اليوم نفسه أصدر ” المجلس الإسلامي السوري ” بياناً اعتبر فيه جبهةَ فتح الشام بغاة معتدين، ودعا الفصائل إلى التوحد لقتالها، والذي لاقى استجابة سريعة من قبلها.
بينما في موقف آخر أعلنت هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل الثورية عن بدء معركة دمشق أُطلق عليها اسم ” يا عباد الله اثبتوا ” في 19 / آذار / 2017 م تأخر المجلس الإسلامي السوري في إصدار فتواه المؤطرة؛ فبعد مضي أكثر من ثلاثة أيام وبتاريخ 22 آذار أصدر المجلس الإسلامي بيانه الذي حثّ فيه جميع الفصائل الموجودة في غوطة دمشق الشرقية على المشاركة في معركة دمشق التي اعتبرها “مصيرية للجميع”، وشدد على ضرورة التحرك بقيادةٍ واحدةٍ، وطالب أيضاً بفتح الجبهات الأخرى مبرراً بالقول: “ولا بد من مشاغلة العدو وإرهاقه وتشتيت إمكاناته وجهوده، وعدم إعطائه الفرصة ليستجمع قواه ويلتقط أنفاسه”، مشيراً بشكلٍ خاصّ إلى الجبهات القريبة، كجبهات درعا والجولان وجنوبي دمشق بحسب المصدر كلنا شركاء.
لكن الفصائل لم تستجب حتى الآن إلى بيان المجلس هذا وتسارع للزج بقواتها في معارك دمشق كما فعلت بمعاركها ضد فتح الشام بُعيد ساعات من مؤتمر الأستانة، بل افتعلت معركتين جانبيّتين لتكونا بموازاة معركة دمشق وحماة وأهميتهما.
الأمر الذي يدعو إلى الاشتباه بهذه المواقف واختلاطها علينا، فما هي طبيعة العلاقة بين المجلس الإسلامي وبين الفصائل الثورية التي تتضح في سرعة امتثال الأخيرة لها تارة وعدم استجابتها لها تارة أخرى؟
بين كلِّ هذه التجاذبات السرية غير المعلنة وما يقابلها من السيطرة العسكرية على الأرض، تبقى محادثات جنيف التي انطلقت يوم أمس الجمعة جولتها الخامسة من مفاوضاتها للسلام السورية برعاية الأمم المتحدة شاهدة على توقيع كلِّ صكّ فيها من قبل المعاضة السورية، ليلقى صداه على الأرض لضمان تشكيل حكم غير طائفي خلال 6 أشهر، يليها صياغة الدستور، ثمَّ إجراء انتخابات في سوريا خلال 18 شهراً بإشراف أممي، وفي الوقت نفسه ستبقى كفيلة لأيّ تغيير قادم في تلك المواقف العسكرية التي ستؤثر سلباً على مجريات معركتا دمشق وحماة ولا سيما لتنفيذ طلب وفد النظام المتركز على “مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، والعمل على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين”.