لقد حفظت ذاكرة السوريين مجازر النظام في حماة قبل ثلاثين عامًا، لكنها لم تكن كفيلة بفضح آلة النظام الإجرامية في ظل غياب إعلام ثوري قادر على بثِّ صوت المذبوحين والمقهورين، تلك التجربة القاتمة جعلت ثوار 2011 يؤمنون بدور الإعلام في ثورتهم لا سيَّما بعد أن تحول الإعلام في العصر الحديث إلى سلاح فتَّاك يدمِّر الطغاة ويعريهم من لباس الخيانة والإجرام أو يخدر الشعوب للقبول بسياسة الحاكم.
ما الذي يميز الإعلام الثوري؟
– لقد تميز الإعلام المرافق للثورة السورية بالخطورة، فكان محفوفًا بالموت من كلّ مكان وفي أي زمان، فضحّى الكثير من الإعلاميين بأرواحهم في سبيل توثيق إجرام الأسد، ومنهم خالد العيسى ابن مدينة كفر نبل في ريف إدلب، والإعلامي وسيم العدل، وغيرهما كثيرون ممَّن حملوا أرواحهم إلى جانب آلة التصوير.
– ويتميز الإعلام البديل بقربه الشديد من الناس “جمهور الثورة” من خلال توفره بشكل كبير على مواقع التواصل وسهولة إيصاله للأخبار.
– وينشط في الإعلام السوري العنصر الشبابي هواة الإعلام “من السوريين” الذين استطاعوا أن يبدعوا في المجال الصحفي والإعلامي، ممَّا ساعد على توضيح دور ومفهوم المواطن الصحفي.
– أصبحت المواد التي تصدر عن أي صحفي أو ناشط أو حتى مواطن سوري مادة أولية دسمة لكبرى الوكالات العالمية التي تهتم بالشأن السوري وظهر أيضاً مفهوم “الصحفي المستقل”.
التحديات التي تواجه الإعلام السوري البديل
المصداقية والمهنية:
تأثرت مصداقية الوسائل الإعلامية الثورية نتيجة اعتناقها لفكرة التأييد المطلق للثورة في نقل الأخبار مع الاعتماد بشكل كبير على العاطفة، ممَّا خلق أزمة تشتت الجمهور.
الجمهور والهوية:
إنّ إظهار الهوية الثورية في الإعلام السوري البديل حرمه من الوصول إلى الشرائح المؤيدة لنظام الأسد أو التي لا تتقبل الفكر الثوري، وهي الشريحة التي تحتاج توعيةً أكثر من غيرها، لذلك فإنّ أحد الأخطاء التي أصابت الإعلام البديل هو تقزيم جمهوره وحصره في المعارضين فقط. وممَّا يخلق أزمة أيضًا تعدد الجهات العسكرية والدينية التي تمنع الإنسان من متابعة إحدى الوسائل الإعلامية لأنها ببساطة لا تؤيد تفكيره.
خطاب الكراهية:
نظام الأسد حارب كلّ شرائح المجتمع عسكريًّا لكنه حاول أن يظهر قيم التعددية إعلاميًّا “وفشل في ذلك إلى حدّ كبير، إذ كثيرًا ما كانت الصبغة الطائفية والمناطقية تظهر في خطابه، بينما الإعلام الثوري أخطأ مرات عديدة في اعتماده خطاب الكراهية مع الفئات التي تعدّ مكونًا أساسيًّا من النسيج السوري لا يمكن تجاهلها، كالمكون الكردي، لذا كان من المفترض أن يكون الإعلام موجهًا إلى جمهوره الثوري بهدف المناصرة، وإلى باقي الشعب بهدف التوعية بضرورة التخلص مما يفرّق وحدة السوريين.
الاعتماد على الأخبار:
إنّ قلة عدد الصحافيين المحترفين في الثورة السورية أدى إلى اعتماد الناشطين على الأخبار، وذكرت إحدى المقالات التي تتحدث عن الإعلام البديل أن الأخبار مازالت المادة الأكثر شيوعًا في الإعلام السوري البديل، بنسبة 76% مع تراجع في نسبة المواد التحليلية والمقابلات، لا سيّما مع وجود وكالات متخصصة بنشر الخبر دون تحليله من وجهة نظر الوكالة لبثّ فكرها وتقريبها من الجمهور.
ضبابية المستقبل:
مع توجس الكثيرين من التقلبات السياسية يبقى الإعلام السوري البديل مع هاجس الخوف من المستقبل، ما الذي ستتناوله الوكالات الإخبارية مع انتهاء الحرب؟ وهل الإعلام البديل بإعلامييه المبتدئين سيكون قادرًا على استلام مهام الإعلام الحكومي في حال سقوط النظام فيتجاوز أخطاءه ويعلو فوق كل السلطات، علماً أنه في حال بقاء الإعلام الثوري في منطقة إدلب سيخلق مشكلة كبرى نتيجة الضيق الجغرافي الذي لا يتناسب مع اتساع الوسائل الإعلامية وانتشارها، والسؤال الأخطر في حال سيطرة النظام على مناطق جديدة هل سيستطيع الإعلام البديل أن يبثّ أفكاره داخل هذه المناطق وهو المعروف بتوجهه إلى المعارضين فقط؟!
الدعم والمناصرة:
تشكل مسألة الدعم المادي عنصرًا أساسيًّا في تشكيل توجه معظم المؤسسات الإعلامية الثورية، كما تشكل مسألة التأييد الفصائلي مشكلة كبرى أدّت إلى تأجيج نار الاقتتال في أكثر من حادثة، ويذكر أن بعض الوسائل الإعلامية الثورية بدأت تنتبه إلى هذا الأمر وتحاول جاهدة البحث عن وسائل دعم ذاتي تعطي مساحة أكبر من الحرية، ومع تبعية بعض وسائل الإعلام إلى جهات داعمة ومؤدلجة يلمع سؤال مهم، هل الإعلام الثوري إعلام حر؟
في الحقيقة لا يوجد إعلام حر تماماً في كل العالم، وهذا ما وجدناه في أكبر الدول وأكثرها حرية، وممَّا يؤكد ذلك تضييق ترامب الأخير على الإعلام، وفي سورية ومع عدم وجود مؤسسات لها هيبتها قادرة على صوغ رؤية إعلامية واضحة والمحاسبة على تجاوز المبادئ الإعلامية تبقى مسألة حرية الإعلام الثوري شائكة، إذ تلعب فيها عدة أمور منها كما تحدثنا مسألة التبعية بالإضافة إلى تفاوت الحرية الإعلامية من منطقة إلى أخرى وأمور أخرى تحتاج تفصيلاً أكبر في الشرح والتوضيح.