نورس العبد الله
بعد أن استعرضنا معاً قواعد الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني وتعرفنا عليهما تبين وجود تشابهات وفروق بينهما، فما هي تلك الأوجه؟
في الحقيقة يمكن إجمال أهم نقاط التشابه والاتفاق في أربعة مبادئ رئيسية وهي:
- الإنسانية: يشكل هذا المبدأ أساساً للقانون الدولي الإنساني ومنطلقاً له، لذلك لا يمكن أن تلغى الإنسانية في أتون الحرب ونيرانها المشتعلة وهو ما تسعى له المواثيق والمعاهدات الدولية فتفرض مثلاً معاملة الضحايا بإنسانية.
وهذا هو الأساس في الإسلام، فتكريم الإنسان ثابت وأصيل، قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )، هذا التكريم يفرض التزامات في جميع الأوقات وخاصة في الحروب وتحمي الإنسان قدر المستطاع وتسعى للحد من سفك روحه ودمه، قال تعالى: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) أي أنَّ القتال للمقاتلين فقط.
- التفريق بين المقاتلين وغيرهم (التمييز): في البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949 والصادر عام 1977 نصَّت المادة 48 على “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها ” هذا النص يشكل مبدأ التمييز الذي يعد عموداً فقرياً لقوانين الحرب وأعرافها في الدولي الإنساني.
وهذا المبدأ من القواعد الراسخة في الشريعة الإسلامية التي لا تقر بما يعرف بالحرب الشاملة أو الابادة الشاملة فهي تحصر القتال وتحدده، فتجد التمييز واضحاً في وصايا الخلفاء وقادة الجيوش الإسلامية للتفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين.
- مبدأ التناسب: جاء إعلان سان بيترسبورغ (1868) بشأن حظر استعمال بعض القذائف في وقت الحرب وتم وضع قاعدة تقول: “إنَّ الهدف المشروع الوحيد الذي يجب أن تسعى إليه الدول أثناء الحرب هو إضعاف قوات العدو العسكرية”، وتبعاً لذلك، فإنَّ “إقصاء أكبر عدد ممكن من القوات يكفي لتحقيق هذا الغرض”، وقد يتم تجاوزه إذا استخدمت ” أسلحة تزيد بدون مبرر من آلام الأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال أو تجعل موتهم محتوماً “، وفي هذا الاستخدام مخالفة ” للقوانين الإنسانية “.
وقد حرص الإسلام على إنكار البغي والعدوان وحث المسلمين على تجنب الوقوع بذلك، رغم أنَّ الإسلام دائم الدعوة للاستعداد وتجهيز القوة، وهذه القوة ليست مطلقة للمسلمين بالاستخدام دون ضابط أو رادع، حيث ناقش الفقهاء والعلماء طويلاً المواضيع المتعلقة بالأسلحة واستخدامها ولم يبيحوا الإفساد في الأرض تحت ستار الحرب.
- مبدأ الضرورة الحربية: تحتل الضرورة الحربية موقعاً بارزاً في مواثيق القانون الدولي الإنساني وتجد العديد من النصوص التي تذكره وتفرض عدم التدمير والاستيلاء إن لم يوجد داعي ومبرر لذلك، ويعد جريمة من جرائم الحرب تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها على نطاق واسع وبصورة غير مشروعة واعتباطية ما لم تبرر الضرورات العسكرية ذلك.
وفي الفقه الإسلامي نجد أنَّ ” الضرورات تبيح المحظورات ” وهذه من القواعد العامة المتبعة في ظروف السلم والحرب، ومن الأمثلة التي دار حولها نقاش الفقهاء تترس العدو ببعض أفراده من غير المقاتلين كالنساء والأطفال أو اتخاذه بعض المسلمين درعاً بشرياً يحتمي به، فإذا كانت أضرار الأعمال العسكرية العاجلة أكثر من نفعها أصبح من غير الجائز الاعتداد بها والضرورة تقدر بقدرها، وفي حالة التترس مثلاً، إذا تحقق غرض السيطرة على المقاتلين، فلا حاجة إلى مهاجمة من اتخذهم هؤلاء دروعاً بشرية.
أمَّا أهم الفروق بين قوانين الحرب في الشريعة والقانون الدولي الإنساني فتتلخص بما يلي:
1- كثرة الاتفاقيات والمعاهدات في القانون الدولي الانساني ومع كثرة هذه القوانين إلا أنَّها تعاني من الضعف والفشل لغياب السلطة التي تسهر على تطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي.
أمَّا الشريعة الإسلامية المستمدة فيتم تعبد الله بتنفيذ كافة بنودها، ولذا نجد أنَّ قواعد الإسلام يلتزم بها كل المسلمين خلفاء وقادة وجنود، وهذا الخليفة عمر بن الخطاب مثلاً: عزل قائد جيوشه خالد ابن الوليد وقال: (إنَّ سيف خالد فيه رهقا) أي أنَّ سبب عزله كثرة القتل.
2 – لقد استغرق القانون الدولي فترة طويلة جدا من الزمن والتغييرات حتى يصل إلى المبادئ السامية التي وصل إليها الإسلام منذ عدة قرون، ومع ذلك فالقانون الدولي الإنساني لا يطبق الضوابط التي وصل إليها في القرن العشرين على كافة النزاعات المسلحة ويفرق بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
بينما تطبق قواعد الشريعة الإسلامية على جميع النزاعات ولا تفرق بين أحد منها فهي أكثر شمولا من القانون الدولي.
3- الحرب الدفاعية التي أقرها الإسلام لم يصل إليها القانون الدولي إلا من خلال ميثاق الأمم المتحدة في المادة (51) والتي نصت على أنَّ (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول.
4- قواعد الحرب في الشريعة الإسلامية أسبق في الظهور وأكمل في القواعد والمبادئ والأحكام منها في القانون الدولي.
ختاماً لا بدَّ من القول: إنَّ أحكام الشريعة الإسلامية ما زالت تثبت يوما بعد يوم سموها على غيرها كونها من لدن حكيم عليم، وقد جاءت لتنظيم حركة الحياة كلها سلما وحرباً، وأما دعوات البعض لازدرائها أو النقص منها فهي دعوة جاهل قليل علم أو حاقد خبيث يعادي رغم معرفة الحق.