نورس العبد الله
وصلنا في المقال السابق إلى سؤالين أساسيين في معرض النظر بالقانون الدولي الإنساني وهما: ماهي المبادئ الأساسية والأهداف والغايات للقانون الدولي الإنساني؟ وما هو واقع وتطبيق والتزام الدول بهذا القانون؟
إنَّ للقانون الدولي الإنساني أربعة مبادئ أساسية، وهي: مبدأ الإنسانية ومبدأ التناسب ومبدأ التمييز ومبدأ الضرورة العسكرية، وتنطلق المبادئ الأربعة تلك من أساس واحد وهو أنَّ البشر جميعا متشابهون ومعاناتهم كجنس بشري تتساوى في كلِّ مكان ولكل منهم في مخاطر التعرض للمعاناة ونتائجها عليهم.
ويهدف القانون الدولي الإنساني انطلاقاً من تلك المبادئ السامية ومن خلال الحدِّ من حرية أطراف النزاع المسلح من استخدام وسائل القتال وإدارة الصراع كما يشاؤون للتخفيف من ويلات وآلام وآثار هذه الحرب على البشرية وذلك من خلال حمايته للأشخاص والأعيان وهم:
- السكان المدنيون أي كل الأشخاص الذين لا يحملون السلاح.
- المقاتلون ما إن يرموا السلاح وهذا يشمل عمليًا (الأسرى والجرحى والمرضى من المقاتلين).
- الأشخاص والمؤسسات التي يؤمن لها القانون الدولي الإنساني حماية خاصة، ويظهر ذلك عن طريق شارات مميزة لهؤلاء الأشخاص أو أفراد هذه المؤسسات (كالصحفيين وأفراد المنظمات الإنسانية).
- أفراد جمعيات الإغاثة التطوعية وموظفو الحماية المدنية وأفراد الدفاع المدني وموظفو الأمم المتحدة والأفراد المرتبطون بها.
- حماية الأعيان المدنية من جسور ومحطات كهرباء وغيرها من منشآت حيوية ليست ذات علاقة بالمنشآت العسكرية.
- الأعيان الثقافية.
- أماكن العبادة والأشخاص القائمون عليها.
- المنشآت الصحية من مستشفيات والآليات التابعة لها.
وتبقى الغاية الأسمى للقانون الدولي الإنساني رغم تعدد وتشابك أهدافه، هي حماية المدنيين من كلِّ سوء وأذى قد يلحق بهم من جراء النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي.
وبالانتقال إلى السؤال الثاني، وهو ماذا كان واقع تطبيق قواعد وأحكام هذا القانون السامي وخاصة من قبل المجتمع الغربي الذي عقد اتفاقياته وسطر كلماته؟
حقيقة إنَّ ذكر الحربين العالميتين فقط أمام أي إنسان لهو كفيل بشرح واقع وتطبيق القانون الدولي الإنساني؛ حيث ارتكبت كل الفظائع والانتهاكات، ولأنَّ كان القانون الدولي الإنساني ما زال يحبو حينها فنستمر برحلة القرن العشرين والواحد والعشرين ونذكر حرب فيتنام والحرب الكورية وما تمَّ ارتكابه فيهما من جرائم وحشية.
وبالمثال القريب المعروف للجميع وهي الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 فقد ارتكبت دول التحالف كل الانتهاكات والفظائع بحق العراق وأهله.
وأمَّا في الواقع اليومي المعاش فيرى الجميع ويسمع ـــ ليس السوريون فحسب بل البشرية قاطبة ـــ كل الجرائم والانتهاكات والفظائع التي ترتكب بحق أبناء الشعب السوري من قبل روسيا ودول التحالف الدولي، حيث تمَّ ارتكاب كلّ الجرائم سواء جرائم الحرب أم الجرائم ضد الإنسانية أم جرائم الإبادة الجماعية.
حيث تمَّ استهداف المدنيين بالقصف نساءً وأطفالاً ومرضى وجرحى واستهدفت الطواقم المحمية من صحفيين وطواقم طبية وإنسانية ومدنية كما تمَّ استهداف المدن والبلدات والقرى الآمنة واستهداف الممتلكات والأعيان المحمية من مدارس وأسواق ومنشآت خدمية ومشافي ومراكز دينية وثقافية وأثرية، كما حوصرت المدن وتمَّ تجويع المدنيين كأسلوب لفرض الاستسلام، كما واستخدمت الأسلحة غير المشروعة من عشوائية وعنقودية وحارقة وكيميائية.
يمكن القول بوضوح شديد إنَّ الواقع السوري في السنوات الستة الماضية كشفت بشكل سافر أنَّ قواعد القانون الدولي الإنساني وأحكامه بل وحقوق الإنسان بشكل أعم تعرضت لمجزرة حقيقية لا يمكن لعاقل بعدها أن يدعي بالتزام الدول وخاصة الدولتين الأكبر في العالم بأي بند أو قاعدة من قواعده.
من كلِّ ما سبق فإنَّ القانون الدولي الإنساني هو نظرية غير مطبقة وغير ملتزم بها، وإنَّ أكثر من يخالفها هي مجموعة الدول التي وضعت أحكامها وصاغتها، رغم ادعائها بأنَّها منبع الرقي والحضارة الإنسانية.
ولربما ستستمر دول العالم بهذا النهج وستستمر الفجوة بين النصوص والتطبيق العملي طالما لم تكن هذا النصوص نابعة عن عقيدة متينة من ذات الجنود قبل القادة، وهذا الواقع يخالف تماماً حال الجيوش الإسلامية حيث كانت النصوص والأحكام واقعاً ملموساً في حياتهم كأصل، وتجد الاستثناءات ظهرت في معظم الأحيان بعد ابتعاد المجتمعات الإسلامية عن تطبيق الشريعة الإسلامية كمنهج حياة.
وهنا بعد أن ألقينا نظرة على قواعد وأدبيات وقيم الحرب بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني سنقوم أخيراً بالنظر أين يختلف كل منهما وبماذا يشتركان؟
يتبع..