بقلم غسان الجمعةلقد حرَّم ديننا الحنيف التعصب للعرق أو للطائفة أو للون، لأنَّه مُفرق ومُشتت لاعتصام الأمة، وصانع العداوة، وهادم التآخي، وقد نهى نبينا المصطفى عن العصبية العمية الجاهلية وتبرأ ممَّن يدعو إليها أو يقاتل عليها.فسرى الإسلام بهذا المعتقد إلى جانب مبادئه السمحة كالنار في الهشيم في مشارق الأرض ومغاربها، وهدم بتعاليمه صنمية الجاهلية وبوذية الشرق وشعوذات إفريقية السمراء، وفتحت بنوره مغاليق العقول في شتى أمصار الأمة.وكان من سمات الهداية التي أنعم الله بها على عباده توحيد لغة دين التوحيد، فجعل لغة العرب لغة دين الإسلام، فتحولت لغة الضاد من لغة الصحراء إلى لغة الحضارة والحضارات، وجمعت الأعراق وأذابت بحلاوتها جموع اللغات، وكانت إحدى عناوين الأخوة بين المسلمين كواحدة من نعم الله على عباده، قال الله تعالى ” بلسان عربي مبين “وما خدم أحد الإسلام إلا بقدر علمه بالعربية بغض النظر عن عرقه أو بلده، ولا أدلَّ على ذلك من سيبويه الفارسي الأصل الذي قدم للعربية الكنوز الكثيرة بعدما أنعم الله عليه بنعمة الإسلام وطلاقة اللسان، وما دفعه لذلك سوى غيرته على لغة القرآنومن هنا برز دور الإسلام في خدمة هذه اللغة، فلولاه لتغيرت كما تغير غيرها من اللغات من قبلها، والجدير بالذكر أنَّ الفتوحات الإسلامية لم تفرض يوما اللغة العربية على الأقوام التي فتحت، بل انتشرت وتجذرت بفضل الإسلام وارتباطها الوثيق به، وقد أنزل الله تعالى “إنَّا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون”إنَّ العربية التي سرجت على حروفها سروج الدعوة الى الله قد خاطب بها محمد صلى الله عليه وسلم الملوك في بقاع الأرض ودعا الفاتحين بها على أسوار الحصون إلى دين التوحيد وتشرفت متشبعة بالقرآن بكلم الرحمن، وغدت وعاءً لكلمات الله التي يعجز البحر عنها لو أنَّه كان حبراً.فلولا العربية الغراء لتباعدت الأفهام في فهم الكتاب والسنة، ولصار الإسلام أديانا يكفِّر أهله بعضهم بعضا، فمن خلالها حُصر القول وتقاربت المقاصد.وقد قال الإمام ابن تيمية ” إنَّ اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا باللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”فالعلاقة بين العربية والإسلام علاقة وسيلة بغاية وحاجة الكمال للبيان، وقد ارتقى القرآن بالعربية من ضيق العروبة ووضاعة التوظيف إلى فسحة الإسلام وسمو الرسالة، وأصبحت العربية للإسلام كالروح للجسد.