بقلم: غيث البحرحار الناس بسبب تفرق الناشطين في الثورة السورية، وظهرت الكثير من التحليلات والتشخيصات ومحاولات إيجاد إكسير يخلص الثورة السورية من هذا المرض، لكن إكسير الحياة الذي يعرض في الأفلام هو ضرب من الخيال، وفي نفس الجانب لا يوجد علاج شافي لمشكلة الانقسام والتفرقة، فهي أصل متجذر في قلوب البشر، فإن عدنا وشخَّصنا هذا المرض لوجدنا أنَّه من الأمراض التي لا يمكن اجتثاثها بشكل كامل، ومن المفضل ألا نسميه مرضاً، فهو جزء من خلق الإنسان، فلولا حبُّ الذات والمصلحة الشخصية لانتفت الحكمة من وجود البشر، فبدونها لكانوا كالملائكة يفعلون ما يؤمرون.إن لم تكن الفرقة مرضاً فما هي إذاً ؟!يمكن أن نسمي الفرقة طبع بشري، كأي طبع موجود لدى الإنسان، فالمرأة تحب التزين بالأشياء الوردية، والرجل يحب القوة والنشاطات القاسية، والطفل يحب اللعب والحركة، ولكننا نعلم أنَّ كلًّا من هذه النقاط قد تصل إلى الحالة المرضية إن خرجت عن حدود المألوف، فأنت تكبح طفلك وتمنعه من كثير من محبباته حمايةً له، وكذلك إن أردنا التعامل بالطريقة الصحيحة مع مشكلة الفرقة علينا أن نعترف بها كحالة طبيعية لا نفكر بالقضاء عليها، ولكن نفكر بوضعها ضمن الأطر المنطقية والمحددات السليمة…في هذا الصدد أحببت أن أشارككم بعض أفكاري حول أسباب خروج مسألة حبِّ الذات عن المألوف ووصولها إلى الحالة المرضية (حالة الفرقة والانقسام)، وتنطلق عملية التحليل من ثلاثة محاور، أولها: إزالة الضباب والعوامل المضللة لمعرفة الحجم الحقيقي لمشكلة الانقسام، وثانيها: التساؤل المهم: هل وصلت حالة الانقسام في الثورة السورية إلى المرحلة المرضية؟ وثالثها: التشخيص الديني الإسلامي لها ولآليات ترويض الذات ومنعها من الوصول إلى مرحلة الانقسام.برأيي إنَّ حالة الانقسام المروج لها إعلاميا والتي تمَّ زرعها في أذهاننا هي أكبر بكثير من الواقع، فبالعودة إلى المروجين لها والساعين لتشويه أية هيئة عاملة أو قوة مقاتلة في الثورة السورية لوجدت أنَّ أجنداتهم خفية، وقد تجد عند ملاحقتك لهم بأنَّ جذورهم تصل إلى أصل الفساد وهو النظام السوري، ولنأخذ حملات الشتم والسب على الفيس بوك مثالا، فقد أكدَّ الناشطون الإعلاميون الذين يديرون صفحات العديد من هيئات الثورة السورية وقواها العسكرية بأنَّ معظم الحسابات التي تتعرضهم بالسب هي حسابات وهمية ومرتبطة ببعضها بشبكة غريبة، وأنَّ بعض أصحاب هذه الحسابات يمتلكون صداقات مع كبار شبيحة النظام السوري… يبين هذا المثال وعبر تحليل رقمي لحملات السب والشتم والتفريق بأنَّ حجم الانقسام الحقيقي أقل من 20% مما يروج له، أي أنَّ الترويج الإعلامي ضخَّم حالة الانقسام في أذهاننا وجعلها أكبر بـ 5 أضعاف… ولنقس على ذلك.إذاً فقد تأكدنا بأنَّ حالة الانقسام أقل بكثير ممَّا تراه أعيننا، فماذا عن الـ 20% من الانقسام التي اعترفنا بواقعيتها؟ هل هي مرض يجب علاجه أم ماذا؟! لو راجعت حجم الهجمة التي تعاني منها الثورة السورية وحجم الضغوط التي تقبع القوى الثورية الفاعلة تحتها، ولو قارنا الإمكانات الضئيلة لدى هذه القوى مع ضخامة الحاجات والعدد الهائل من السوريين الواقعين في دائرة المعاناة، ولو وضعنا أنفسنا مكان العاملين في السياسة والقادة العسكريين الملقى على كاهلهم حماية جبهات القتال وتأمين احتياجات المقاتلين والتفكير بعوائلهم وبأهلهم وبالمعتقلين والتفاوض مع القوى الدولية وضغوط الداعمين… لو فكرنا بكل هذه التفاصيل ووضعنا أنفسنا في هذه الدائرة لعرفنا أنَّ حالة الانقسام أمر طبيعي، وهو مرحلة من البديهي المرور بها، فكلنا يعلم بأنَّ نظام بشار وأبيه من قبله سعى لتجهيل شعبنا وتفريغ سوريا من كل مبادر وتمكين أفراد قائمين على فكرة “اللهم نفسي”، و”ألف أم تبكي ولا أمي تبكي”، وبأنَّنا جميعا بدأنا العمل الثوري بمبادرات شخصية قد تكون معدومة الخبرة لدرجة الأمية في مجالات العمل المجتمعي الجماعي والتفاعل مع الأزمات والحروب… ومن دلائل بديهية المرور بهذه المرحلة هو عملية التصاعد في أحجام هيئات الثورة، فقد بدأ العمل الإغاثي من مجموعات شبابية متفرقة وتطور يوما بعد يوم حتى أصبح عملا منظماتيا قد يفوق بأدائه الكثير من المنظمات الدولية، وعلى الصعيد العسكري نجد الكتائب الصغيرة التي لا تتجاوز الخمسة أشخاص اتحدت وكبرت حتى وصلنا اليوم إلى جيوش كبيرة والتي من الواجب أن تتجه بعدها إلى جيش واحد يمثل كل السوريين، وكذلك العمل السياسي، والإعلامي، واتحاد المحامين الأحرار… للناظر إلى سير العمل الثوري منذ بداية الثورة حتى يومنا هذا يجد بأنَّ عملية الانقسام بدأت تتآكل وتتراجع وبأنَّها فعلا لا تمثل أية حالة مرضية.هكذا إذا… حالة الانقسام الحاصلة في سوريا هي حالة طبيعية ومرحلة من البديهي المرور بها… ولكن، لماذا يحصل الانقسام؟! ولماذا يستمر وتستمر الفرقة والكراهية؟! وكيف نحارب وحش الانقسام ونكبحه حتى يصغر ويعود إلى جحر حب الذات؟قد تكثر التحليلات في هذا الجانب، فمن محلل نفسي يتحدث عن كوامن النفوس والعقل الباطن وبعض الأمور التي تصل إلى الخرافة، ومن محلل سياسي يتحدث عن ارتباط القوى السورية بأجندات تعمل على تسييسها ويغوص بالتحليل لدرجة الوصول إلى بناء كل ما يحصل على نظرية المؤامرة وبأنَّ الثورة كانت مؤامرة ولم تكن حراكا شعبيا عفويا، ومن محلل عقائدي يربط كل حراك في الثورة السورية وكل عمل تقوم به أية قوة عسكرية بعقيدتها ويؤكد بأنَّ تلك العقيدة هي المحرك الأساسي لكل أفعالها ووو.لن أتجادل مع هؤلاء المنظرين ولن أغوص ببحر آرائهم، ولن أنكر كلامهم أيضاً، لا أبداً، وأؤكد بأنَّ كل ما يقولونه قد يكون حقيقة، ولكنني سأعود إلى الحق، إلى الكتاب الوحيد في هذه الدنيا الذي لا تشوبه شائبة إلى كلام الله الذي يعلو ولا يعلى عليه.إن أردنا وضع حالة الانقسام في غرفة العمليات وتشريحها بدقة، فعلينا البحث في القرآن الكريم وفي أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم، علينا البحث عن كل كلمة أو جملة تتحدث عن الفرقة وأسبابها، واستهلالاً لهذا نجد أنَّ الله سبحانه وتعالى تحدث عن اسباب انقسام أهل الكتاب فقال {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، ما هذا؟ نعم لقد ذكرها سبحانه وتعالى، إذاً هل وقعنا بما وقع به أهل الكتاب عندما تركوا عرى دينهم ففرقهم الله وزرع بينهم العداوة إلى يوم القيامة… نعم إنَّ سبب انقسامنا هو عدم تمسكنا بعرى ديننا وأصوله، نعم إنَّ سبب انقسامنا هو بحثنا الدائم عن فتاوى غريبة قد تصل بنا إلى حد العمل بدين نسميه الإسلام ولكنه ليس الإسلام الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم… لنأخذ درساً آخر حول أهمية التمسك بعرى الإسلام وأثرها على وحدتنا، فكما ذُكر عن النعمان بن بشير أنَّه قال (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا، فَخَرَجَ يَوْمًا فَرَأَى رَجُلا خَارِجًا صَدْرُهُ عَنِ الْقَوْمِ ، فَقَالَ “لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ“، ماذا!!! ما علاقة تسوية الصفوف بالتفرقة؟! هل سنحرر فلسطين إن سوينا صفوفنا؟! نعم، سنحرر فلسطين إن سوينا صفوفنا، ونعم لأننا إن أطعنا رسولنا وتعاليم ديننا وتمسكنا بعراه بقوة سندرب أنفسنا على تجاهل مصالحها الشخصية وسنمتلك ذلك المؤشر الحساس الذي يقول من دواخلنا “لا يا نفسي توقفي لقد تجاوزت حدودك الطبيعية وإنَّ فعلك هذا سيسبب الفرقة والفساد في الأرض”… لا لا هل يعقل أنَّ هذا سبب فرقتنا! هل يمكن أن تروض نفوسنا بهذه الأشياء البسيطة؟ إن لم تصدق بعد لنأخذ مثالنا في أعظم رجال الإسلام سيدنا أبي بكر الصديق فقد قال أسامة بن زيد (لَمْ يَزَلِ السَّهْمُ الَّذِي أَصَابَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ فَأَخْرَجَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ هَذَا مِنْكُمْ؟ فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ مِنْ بَنِي عِلاجٍ: هَذَا سَهْمِي وَأَنَا بَرَيْتُهُ, وَأَنَا رُشْتُهُ, وَأَنَا عَقَّبْتُهُ, وَأَنَا رَمَيْتُ بِهِ يَوْمَ الطَّائِفِ, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: “فَهَذَا السَّهْمُ الَّذِي قَتَلَ عَبْدُ اللَّه, وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَكْرَمَهُ بِيَدِكَ, وَلَمْ يُهِنْكَ بِيَدِهِ”)، هل من المعقول أن يرى حاكماً قاتل ابنه أمامه ويحمد الله على ذلك، نعم يا أخوتي هذه تربية الإسلام، هذا ما وحَّد المسلمين ونفى كل عناصر التفرقة بينهم، هذا ما جعل أبو سفيان الذي أثخن بقتل المسلمين في أُحد أخاً لعمر وأبي بكر رضي الله عنهما…إذا فحقيقة الانقسام الذي يروج له من قبل أعداء الثورة السورية هي أصغر بكثير ممَّا رسم في أذهاننا، وإنَّها مرحلة طبيعية تمر بها ثورتنا بعد أربعين عاما من التجهيل والإفساد، وإنَّ الدواء الشافي لها هو التمسك بديننا والعودة إلى أصوله وعراه والابتعاد عن الفتاوى التي تخدم أهواءنا ومصالحنا…أخوتي في الكتائب عامة والقوى الإسلامية خاصة، أنتم تسميتم بدين الإسلام فكونوا خير ممثل له، أخوتي في الثورة السورية أدعوكم للتوحد فعدونا ينتظر منَّا غمضة ليطعن قلب ثورتنا المباركة، أخوتي المجاهدين قد أكون أجهل الناس بدين الإسلام، ولكن ربَّ مستمع أوعى من مبلغ.