بقلم : رئيس التحريرعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَات يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.أيها القارئ..هل أتاك حديثُ علاَّمةِ العصر وفهامتِه، بديعِ الزمان وشامتِه، سماحةِ الشيخ جون كيري أبي ريتشارد، شرعي أمريكا ومفتيها ووزيرِ خارجيتها؟ إذ لم يستطع فضيلته ألا يكون جنديًّا صلْبا منافحًا عن الإسلام، واقفًا في وجه أولئك المتطرفين المتعصبين غيرِ المعتدلين الذين يريدون أن يشوهوا الدين، فترك مجالس العلم والإقراء التي كان يعقدها في البيت الأبيض، وترك مريديه من طلاب الدماء في الكونغرس، واستأذن القطب أوباما أبا حسين في المجيء إلى ديار المسلمين ليحمي بيضة الدين، الدين الذي كذَّبته أمريكا واستهزأت بنبيه وحاربته سنين طويلة!صحيحٌ أنَّ فضيلته غيرُ ملتحٍ، يلبس الطقم ويضع ربطة العنق، ويجالس النساء ويصافحهن ويعانقهن، وصحيحٌ أنَّه كاثوليكيّ من أصلٍ يهوديٍّ يؤمنُ بثلاثة أرباب، لكنَّ ذلك لم يمنعه من أنْ يخطبَ في المسلمين خطبةً عصماءَ تتحدث عن عظمة الإسلام وسماحته وهوأن المسلمين، ولمَ لا يخطُب بنا وأشياخُ السلاطين وعملاؤهم فتحوا الباب لأعداء الأمة على مصراعيه تحت شعارات (ضرورة المرحلة)، ضرورة المغلوبين على أمرهم، و(فقه المصلحة)، فقه جلب الدولار، ولولا حياءُ كيري من دخول الحرم لطلبوا منه أن يخطب فيه، فقرر -قدَّس الله سرَّه- أنْ يخطب في مسجد سلمان القريب من قواعد أمريكا في جيبوتي!دخل شيخ أمريكا الأكبر المسجد بحدثيه الأكبر والأصغر، وقدَّم لجميع المسلمين باقةً عطرةً من الأشواكِ التي زرعتها أمريكا في المنطقة مع قواعدها العسكرية والثقافية والإعلامية، وسقاها عملاؤها بالنفط والدماء، فتكلم على استسلام الإسلام تحت عنوان السماحة والتقارب والتلاحم بين الشعوب، وتكلم على وضع السلاح أو توجيهه نحو الأشقاء تحت مسمى نبذ العنف ومحاربة التطرف، وتكلم على صناعة العملاء وتربية المعتدلين وإعادة (فرمتة) المخدوعين بالإسلام المزيف تحت عنوان رعاية الشباب المسلم! فما أحلى كلمات كيري وما أخبثها!والسؤال الذي يدور في الذهن: لماذا اختار وزير الخارجية الأمريكية المسجد ليتحفنا باللؤلؤ المنثور الذي تفيض به كلماته؟ هل سمع أنَّ مساجد المسلمين شاغرة بعد أن امتلأت سجون الاستبداد بالعلماء الربانيين وطلبة العلم فطار المسافات الطويلة ليسد هذه الشواغر؟ أو أنه يريد أن يكسر (النسق) التقليدي في التعامل مع العدو؟واضحٌ أنَّ السياسةَ الأمريكية تعمل وفق مقتضى حال توهمته يقول: إن المسلمين في وضعٍ تستطيع فيه أمريكا أن تبرمجهم ليناسبوا النظام العالمي الجديد، وإنَّ باستطاعتها أنْ تحوّلهم إلى أغنام وأبقار تحلب منهم الحليب والصوف والنفط. وتقوم أيضًا على الكلام البرَّاق والوعدِ الخُلَّب وإيهامِ التقارب وصناعة الصديق المخلص من العدو اللدود، وها هي اليوم تدفع المال وتقيم العلاقات والمعامل لتنتج الدفعات الجديدة المحدثة من أصدقائها المخلصين!وقد ابتلع زعماء العرب وحكامهم الطعم وأطعموه شعوبهم، فحضروا الحفلة في مسجد كيري، وهزوا رؤوسهم وصفقوا بقلوبهم لشيخهم، فرحين بهذه الحضرة الأمريكية التي تجلى فيها جميع أعداء الأمة، وإنَّ كلَّ مَنْ شاهد الحفل تذكر عبارة (كالميت بين يدي مغسّله).والغريب أنَّ السيد جون ظهر على وسائل الإعلام مسيحًا وديعًا ومهديًّا هاديًا وحمامةً بيضاءَ مسالمةً تُغري جميع (حماماتية المنطقة)، فلم يتلقَ انتقادات من علماء الأمة الكبار الذين يتصدرون المجالس ويزيون شاشات الإعلام بطلاتهم البهية، وربما لم يستطيعوا التمييز بين كيري وغيره من المتمشيخين، فمن المحيط إلى الخليج يوجد (كيريات) كثيرة تنتهج النهج ذاته، فتشابهوا عليهم، فالنص المسرحي واحد، ولكن الألبسة تغيرت وكذلك الديكور والوجوه والأقنعة الملونة.وبعد..ترقبوا- إن لم تنتفض الأمة على مغتصبيها- صورةَ سماحة وزير الخارجية وهو يشارك أحد (عناتر) العرب طعام الإفطار في رمضان، ثم صورة احتفاله بليلة القدر، ثم صورته وهو محرم في بطاح مكة، قبل أن يدعي النبوة ويأتي بالدين الذي تؤمن به أمريكا.