تقرير محمد ضياء أرمنازي
تتوقف محطتي باب النيرب وسليمان الحلبي عن ضخ المياه إلى مدينة حلب، فتتوقف معها الحياة الطبيعية، وينشغل الأهالي في نقل المياه من الآبار القريبة من بيوتهم عن طريق النقل اليدوي (البيدونات) أو عن طريق (السوتيرات) وتختلف نوعية هذه المياه باختلاف الآبار التي جلبت منها.
لكن لا يعرف المواطن أي شيء عن نوع هذه المياه التي ينقلها، أو التي تنقل إلى بيته سوى كلام صاحب البئر أو السوتير الذي يدعي دائماً أنَّ مياهه نظيفة وصالحة للشرب.
ولمعرفة حقيقة هذا الأمر وتمحيص الموضوع أكثر، قامت صحيفة حبر بزيارة صاحب أحد الآبار السطحية الذي يبع الماء ويغطي أكثر من نصف استهلاك منطقة السكري، فكان اللقاء التالي:
يقول صاحب البئر شيخ محمد البابا “حفر جدي هذا البئر منذ سبعين سنة، ويبلغ عمقه 65 م وقد حللنا مياهه عند الهلال الأحمر وقالوا إنَّها صالحة للشرب، نحن الآن نبيع الماء لأصحاب السوتيرات ونأخذ مئة ليرة مقابل 1000 لتر من الماء، ونأخذ 400 ليرة على تعبئة السوتير 4000 لتر، لكن هناك من يأخذ مبلغ 1000 ليرة مقابل 4000 لتر طمعاً لأنَّه لا توجد رقابة على الأسعار”
يضيف أبو حسين وهو يعمل على سيارة نقل الماء بالخزان المتحرك “أنا أبيع ألف لتر مقابل 500 ليرة، لكن غيري يأخذ 700 وأحياناً 800 مع أنَّ تكاليف نقل ألف لتر داخل حي السكري 400 ليرة فقط!”
وعندما سألنا أبو محمد من حي المشهد عن تكلفة شراء ماء الآبار قال: “كل شهر أحتاج إلى أربعة “سواتير” ماء وأدفع مبلغ 2800 ليرة، لكن المياه مالحة وغير صالحة للشرب، وتسبب لنا حساسية في الجلد وبقع حمراء وأخاف على أولادي من هذه المياه التي يمكن أن تكون ملوثة بمواد كيميائية قد تؤذينا في المستقبل، أولاد جاري شربوا من هذه المياه بعد أن قال لهم صاحب السوتير هذه المياه صالحة للشرب، لكن بعد أيام قليلة ذهبوا جميعهم إلى المشفى.”
وتعاني أيضاً مدينة إدلب من نقص في المياه لكن ليس بشكل كبير، فالماء متوفر إلى حدٍ ما لكن وبسبب قلة ساعات الضخ وحاجة الناس إلى الماء في وقت واحد، فسكان الطوابق العليا ربما لا تصلهم خلال هذه الفترة القصيرة، وكذلك في بعض الأماكن التي يكون فيها الضخ قليلا نسبياً، بسبب بعدها عن مكان الضخ أو بسبب كثافة السكان أو قدم الشبكة، مثل منطقة القصور وشارع المثنى على سبيل المثال.
ويختلف سعر مبيع سوتير سعة ألف لتر من الماء في مدينة إدلب عن مدينة حلب لعدة أسباب أولها غلاء الماء من المصدر وطول مسافة النقل، على الرغم من وجود مركز العيادات الشاملة داخل المدينة الذي يبيع ألف لتر من الماء بمبلغ 200 ليرة، لكن لا يستطيع صاحب السوتير أخذ الماء من هذا المركز أكثر من مرة بسبب الازدحام أثناء الطلب على الماء ممَّا يجبر أصحاب السوتيرات إلى الذهاب خارج مدينة إدلب 2 كم لجلب الماء الذي يباع من مصدره بمبلغ 350 ليرة، ويضاف إليه تكلفة طول الطريق، ويبيع صاحب السوتير ألف لتر بمبلغ 1000 ليرة في مدينة إدلب.
ونعود إلى مدينة حلب لنلتقي مع المهندس أحمد خياطة المسؤول في المجلس المحلي لمدينة لنسأله عن وضع الماء بشكل عام، وماء الشرب بشكل خاص.
“حالياً لا يوجد هناك أي رقابة على الآبار في مدينة حلب، لأنَّ الآبار السطحية منتشرة بكثافة في المدينة ولا يمكن للمجلس أن يغطيها أو يقوم بالرقابة عليها، ولأنها تعمل دائماً وباستمرار، لكن من الضروري عمل هذه الآبار لأنَّها تغطي الاحتياج من المياه للاستخدام المنزلي وليس شرطاً أن تستخدم للشرب، نحن دائماً ننبه المواطنين على أنَّ الآبار السطحية لا تصلح للشرب وهي للاستخدام المنزلي، لكن إن ثبت بالتحليل أنَّ المياه صالحة للشرب حينها يمكن شربها.
نحن لدينا مخبر تابع لشعبة المياه بإمكانه تحليل أي عينة من الماء تأتي إلى المجلس والتعرف على مدى صلاحية هذه المياه، لكن للأسف نحن ناشدنا كثيراً وطالبنا مجالس الأحياء وكل من لديه بئر أن يتقدم إلينا بعينة لفحصها، لكن لم يتقدم أي أحد، وسوف نعود مجدداً لطلب التحليل من أصحاب الآبار، لأنَّ الأمراض تعود وتنتشر من جديد بسبب المياه الملوثة، ونحن في كلِّ اجتماعاتنا مع مجالس الأحياء و الفعاليات نقوم بتوضيح هذه الأمور للمواطنين ، لكن العمل كبير ويحتاج إلى تظافر جميع الجهود، وحالياً نقوم بالتواصل مع جميع الجهات الفاعلة لنؤكد على عدم استخدام المياه السطحية للشرب.
وقد قام مجلس المدينة بتفعيل محطات تنقية مياه الشرب في معظم الأحياء، ليحصل كلُّ مواطن على كمية بسيطة من مياه الشرب، وذلك من خلال ست محطات منتشرة في المدينة، ونحن فعلنا هذه المحطات بالمرحلة الأولى أربع ساعات يومياً، ثم رفعنا عدد ساعات العمل إلى ست ساعات، وفي حال تأمين كميات من الوقود سوف نرفع عدد ساعات التشغيل أكثر، وذلك بحسب الطلب.”
يضيف المسؤول الفني لمحطة التحلية في منطقة السكري أبو عبد الرزاق:
“إنَّ المحطة التي أعمل فيها من نوع WTS1600 تعقم 1600 ليتر في الساعة، وهذا أمر جيدة جداً من ناحية نقاء الماء والسرعة، وتُوزع هذه المياه المعقمة عن طريق تعبئة خزانان موجودة قرب المحطة سعتهم أربعة آلف ليتر، ويقوم الناس بتعبئة أدواتهم من هذه الخزانات ونقلها إلى منازلهم، ويقوم الأستاذ أحمد ضاهر بصيانة هذه المحطات المنتشرة في المدينة بشكل دوري، وقد عملت هذه المحطة 180 ساعة تقريباً منذ أول تشغيلها، وقد استهلكت من المازوت ثلاثة براميل وخمسين ليتر، لأنَّها تستهلك في الساعة أربعة ليترات ونصف من مادة المازوت، وقد أنشأنا عرفة عمليات لتأمين مياه الشرب من المحطات بالحد الأدنى للمدينة، ومن أجل حلِّ جميع هذه مشاكل، وعندما يعود ضخ المياه من الشركة إلى المدينة نوقف العمل بالمحطة.”
ممَّا تقدَّم يجب علينا أن نعمل على توعية المواطن أولاً بأنواع المياه المتوفرة في مناطقه وكيفية استخدامها، وألا يثق بكلام أصحاب الآبار أو بائعي المياه، ويجب على المجلس المحلي أن يمنع أي صاحب بئر من بيع الماء إلا بعد الترخيص ومعرفة نوع الماء بعد التحليل، وأيضاً إجبار أصحاب الآبار على كتابة عبارات واضحة على المنهل أو البئر، لكي يعرف الناس نوع هذه المياه، ويجب منع بيع المياه عن طريق السوتيرات إلا بعد الترخيص أيضاً والتأكد من نظافة الخزان الذي ينقل المياه فيه حسب نوعيتها، وتوجيه صاحب السوتير إلى الآبار المناسبة لعمله، وكتابة نوع المياه التي يبيعها على خزانه المتنقل بشكل واضح، وأيضاً يجب على المجلس المحلي تسعير لتر الماء حسب نوعيته، وبالتالي تصبح هناك منافسة شريفة على جودة الماء، وسينعكس هذا التصرف السليم إيجاباً على جميع المواطنين، وبهذا العمل نضمن عدم انتقال معظم الأمراض الكثيرة والخطيرة عن طريق المياه الملوثة.