عبد الملك قرة محمد
بعد بذل الدماء ونتيجة الأخطاء الجماعيّة لا الفرديّة لمعظم الفصائل العسكرية خسر الثوار حلب فكانت الخسارة الأكثر تأثيراً على الثورة منذ انطلاقها وبعيداً عن العواطف التي تستصغر حجم الخسارة وهول المسألة وبعيداً عن الأحاسيس التي ترمق الرجوع وتتأمل به في هذه الحال التي تمرُّ بها الثورة سياسياً وعسكرياً يمكننا القول إن الأخطاء العسكريّة والاقتصاديّة وحتى الاجتماعيّة هي سبب سقوط حلب فمن التبعية الفصائلية وانتشار الفساد في معظم الفصائل الثورية ناهيك عن فساد اجتماعي صوّره مستغلو الحصار بأقبح صورة كل تلك الأسباب لم تتسبب بسقوط حلب فحسب بل كانت وراء جميع الانتكاسات التي أصابت الثورة والتي ستصيبها مستقبلاّ إن لم تتمّ معالجتها والتخلص من سلبيّاتها.
سلّطت حلب الضوء على الثغرات العسكرية التي خسر بها الثوار مساحاتٍ كبيرة من ريف دمشق وحماة وريف حلب سابقاً أما سياسياً فقد كشفت الخداع السياسي لمعظم الدول الصديقة وغير الصديقة فمن تحليل معظم الأحداث العسكرية والسياسية نستنتج أن أي هجومٍ عسكري يجب أن تسبقه مفاوضات سياسية بين الدول الكبرى.
فبعد الاجتماع التركي الروسي في آب – والذي وافقت فيه تركيا على السماح لروسيا الهجوم على حلب – تعود هاتان الدولتان مع إيران لبحث وقف شامل لإطلاق النار في حين تواصل الطائرات الروسيّة والتركيّة والميليشيات الإيرانية أعمالها العسكرية في سوريا فالاجتماعات السياسيّة ماهي إلا لرسم خرائط السيطرة العسكرية لهذه الدول وما هذا الاجتماع إلا لرسم خطة السيطرة على مدينة إدلب وإجلاء المدنيين خاصة بعد تصريح الأمم المتحدة “نشعر بالخوف والقلق على المدنيين في إدلب” وهذا يعني بأن معركة إدلب قد اقتربت وإذا لم نتدارك الأخطاء سيتكرّر سيناريو حلب ذاته مع اختلاف المنطقة الجغرافيّة فقط.
على الثورة أن تتجاوز أخطاءها بالخروج من وهم المثاليّة ومحاولة سبر أخطاء الماضي لتحقيق الأهداف التي عجزت عنها.
عسكرياً لا بدّ من التوحد وترك التبعيّة والتمسك بالهويّة الثوريّة السوريّة فالثورة ليست تبعيّةً خارجيّة ومصالح ماديّة بل الثّورة إيمانٌ واعتقادٌ أما ثورة المخافر والمعابر فلن تحقق إلا مزيداً من المجازر…..
إعلامياً علينا التخلص من الغباء الإعلامي الذي يمتهن نشر الأخبار الكاذبة وتوقع الخطط العسكرية وبثّ الإشاعات مما يؤدي لبثِّ الفرقة والنزاعات ،ومن الناحيّة الاجتماعيّة لا بدّ أن يعود المكوِّن الشعبي للثورة من خلال المظاهرات السلميّة والشعارات الإنسانيّة أضف إلى ذلك ضرورة بثّ روح المحبّة بين أفراد المجتمع ونشر القيَم التي تحضّ على منع الاحتكار وتخفيض الأسعار كحركة استباقيّة لأي هجوم، ومن الناحيّة السياسيّة لابدّ أن تتركز أي مفاوضات على الأهداف التي خرج لأجلها الشعب السوري بعيداً عن المطامع الفرديّة خاصةً أنّ محرك الأحداث السوريّة هو المفاوضات السياسيّة لا المعارك العسكريّة ولن يستطيع الثوار الصمود إلا بتحقيق تكامل بين جميع الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والإعلامية.