علي سندة |
أصبحت اليوم وسائل التواصل الاجتماعي كأسًا لا بد من منهله لدى معظم الناس، سواء ضمن العمل أو غيره من التواصلات، لكن هل انتقلت معها طبائع الناس في التعامل والحديث وآدابه من الواقع إلى العالم الافتراضي أم تغيرت؟
كثيرًا ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي أن أحدًا يلقي السلام أو يقول صباح الخير أو مرحبًا..، ويردف سلامه بأسئلة اعتاد عليها في الواقع تعكس شخصيته وأسلوبه في الحديث، كالاطمئنان عن صحة المُخاطَب وأهله وعمله وصحته، ثم ينتقل إلى غاية الحديث وحاجته، إلا أن ما يحدث لدى شريحة من الناس اقتصارهم بالرد على السؤال الأخير أو على غاية الحديث فقط دون ردّ السلام أو أي شيء يدخل ضمن عادات بداية الحديث وآدابه.
ومن مظاهر ذلك أيضًا تسجيل الخروج من غرفة تضم جمعًا من الأشخاص دون استئذان أو توضيح ذلك للحضور، وكذلك عدم الرد بعد مشاهدة الرسائل وذلك يُفسَّر بالنسبة إلى المُرسِل تجاهلًا، يماثله بالواقع شخص يتحدث مع شخص والأخير يتجاهل حديثه ولا يلتفت إليه وهذا عيب كبير، فضلًا عن الرد برسم تعبيري على كمّ من الكلام كنوع من اللامبالاة، أو حتى إغلاق الشبكة عقب القراءة.. وغيره.
والحقيقة لا فرق في آداب الحديث بين الواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، لأن الأخيرة باتت ضرورة حياتية وحاجة لا يمكن الاستغناء عنها يقضي من خلالها الناس حوائجهم وأعمالهم، وهذا يحتم على مستخدميها الالتزام التام بآداب الحديث كما الواقع، وعدم التقليل من أهمية الأسئلة التي يعدونها ثانوية ولا حاجة للرد عليها ضمن وسائل التواصل الاجتماعي فيقفزون إلى المهم فقط، وبالمقابل ثمة من يلتزم أدب الحديث وأصوله، فلا يتجاوز سؤالًا، ويرد على كل حرف مُرسَل، وهذا الأصل.
ولو جئنا بأمثلة لأخطاء الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي على الواقع لظهر العجب! هب أنك في الواقع التقيت بشخص ألقى السلام عليك، ثم تجاوزته ولم ترد، ماذا سيقول عنك ذلك الشخص؟! وتخيل أنك بمكان فيه عدة أشخاص ثم قمت من مكانك وفتحت الباب وخرجت دون أن تنطق ببنت شفة! وتصور أنك تريد شيئًا ما من شخص فتطلبه منه مباشرةً دون أن تسلم عليه أو تقول أي شيء قبل حاجتك! حتمًا سيقول لك: قل السلام عليكم أولاً.
إن سطوة وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها على تفاصيل حياتنا، لا يعني أن تسلبنا آدابنا في الحديث والرد، لذلك السؤال عن الحال والاطمئنان عبر الوتساب أو غيره من وسائل التواصل يستوجب الرد من قبل المسؤول قبل كل شيء بعده، كيلا يُقال إنه غير مبالٍ بالحديث أو بالشخص، وكذا كل شيء يبدأ به المُرسٍل حتى يُنهي كل حديثه، كأن المحادثة على الواقع فعلًا، وإن وجود فرق بين اللقاء الفيزيائي والافتراضي، لا يعني تجاوز أدب الحديث، ومن يقول رددت السلام بداخلي فإن المُرسِل لا يستمع إلى نبضات قلبك، ومن يبرر ذلك بأننا صرنا بعصر السرعة والآخر يستوعب ذلك فهذا يعني التحلل من الآداب العامة باسم السرعة والتطور وهذا منافٍ للحقيقة، فالسلام يُرد بأحسن منه أو بمثله، قال تعالى: ((وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)) [النساء: 86]