“رغم كل شيء لا يمكنني أن أيأس ولا أحب أن أحزن على أي شيء أكثر من فقدان الغوالي” بهذه الكلمات بدأت ”آسيا الأمين” ابنة الخمسة والعشرين عامًا حديثها.
مرَّت آسيا في الأعوام السابقة بحالة من الغضب الشبه دائم بسبب أمرين أولهما رؤية أطفالها وحيدين لا رجل يرعاهم، والآخر والدة زوجها التي فقدت ابنها وهو مازال في مقتبل العمر، تقول آسيا: “لطالما اعتراني صمت وهدوء قاتم لأنني وحيدة بمنزلي الواسع، وغضب عارم من عجزي أحياناً أمام ما وصلت إليه.”
فقدت آسيا زوجها “عبدو” الذي كان يكبرها بعدة سنوات، والذي قُتل ورُمي على طرف الطريق قرب جبل باش مشلش بمدينة حارم في محافظة إدلب حين ذهابه إلى مدينة سرمدا، وُجدت سيارته بعد مدة لكن دون معرفة القاتل، رحل زوجها وحبيبيها بـحنانه وحبه لها الذي كان بجمال الكون.
قُتل “عبدو” تاركًا وراءه أطفالاً ثلاثة وأمهم التي ما تزال فتاة في مقتبل عمرها “جمانة” ابنته الكبرى وأختها “بيسان” المريضة بضمور الدماغ وفتحة في القلب ولا أمل من علاجها حيث إنها لا تتحرك وعمرها الآن 8 سنوات بكاؤها لا يتحمله عقل وأخوها الأصغر أحمد 6سنوات.
تُكمل آسيا: ” بعد انتهاء عدتي بأيام أخبرتني والدة زوجي بأن أتزوج أخو زوجي بسام لأن خروجه ودخوله أشعل ألسنة الناس المستعرة، رفضت بشدة وبكيت كثيرًا، كيف لي الزواج منه وهو بمنزلة أخ لي ويصغرني بعدة سنوات؟! لكن رفضي لم يدم طويلاً، ومن شدة الضغوطات قبلت الزواج به، وبعد مضي سنة ونصف تقريبًا على زواجنا اكتشفت حملي ومضى ثمانية أشهر من حملي لأصعق من جديد بموته خلال اشتباكات، وبعد 40 يومًا وضعت ابنتي بسمة التي تحبها جدتها أمُّ أبيها وهي سيدة حنونة علاقتي بها كأم وابنتها، فهي طيبة القلب تعيش معنا في المنزل نفسه.”
كانت آسيا تحافظ على سلامة عقلها وتنفِّس عن حزنها من خلال كتابة ما يحلو لها عن مكنوناتها الداخلية، كانت تحاول بثَّ الأمل والتفاؤل بمن تلتقي بهم، وهذا الأمر كان يسعدها كثيرًا حسب تعبيرها.
بعد أن توفي عن آسيا زوجها الأول ثم أخوه بسام تدخل بمعاناتها مع مرضها، حيث اكتُشف من خلال التحاليل الطبية أنها تعاني من وجود كتلة سرطانية بالرحم، تقول: “فضلاً عن هذه الكتلة كنت مصابة بفطر أدى إلى تشكل فيروس خطير بجسمي ونتيجة إهمالي لصحتي انتشر ولا يمكنني أخذ جرعات كيماوية حتى أتعافى من هذا الفايروس الذي قتل 21 عنصر فيتامين ومعادن في جسدي، ووفقا لرأي الطبيبة فإن تناول 80 حبة دواء تعدُّ بمنزلة جرعات عيار 40، جلب لي وقتها 20 حبة أحد معارف زوجي عبدو خلال تواصله مع أحد المنظمات، وقال لي: إن الباقي سيشتريها لي لكني رفضت، فزوجي عبدو ترك لي مبلغًا من المال أمانة عند أحد أصدقائه الذي يستثمر المال بمولدة للأمبيرات الكهربائية، والحمد لله لا نحتاج المساعدة، لكن المال لا يكفيني لشراء الدواء، وبفضل الله تم تأمين باقي الحبوب، إلا أنه بعد تناول كل حبة أُصاب بنوبة تعب وألم شديدة فلا أتذكر شيئًا، فتسهر عليَّ حماتي حتى يزول عني مفعول الدواء لخطورة وضعي الصحي وتسارع نبضات قلبي وتوقف عمل الكلى لدي، فكانت حماتي تساعدني وتعينني منذ مرضي خصوصًا أني لازمت الفراش لأكثر من شهر رغم حالتي الصحية السيئة.”
ورغم كل ما حدث عبَّرت “آسيا” عن رضاها التام بأنها تعيش بحال أفضل من أناس كثر، وكل ما حلَّ بها نعمة وفضل من الله.
وفي نهاية حديثها قالت: “لا أدري ما سيقدر الله عليَّ لأن الأمر بيده سبحانه، لكنني سأجري عملية لاستئصال الورم، وبعدها إما أن أشفى أو أحتاج لجرعات كيماوية لقتل السرطان، لكني كلي ثقة وأمل بأن أشياء كثيرة تستحق الانتظار والخير فيما يختاره الله “
قصة آسيا ليست القصة الوحيدة في سورية التي دمرها النظام السوري، بل هناك الكثير والآلاف من القصص المشابهة التي تغيبت عن الجميع وتتكشف لنا يومًا بعد يوم.