سلوى عبدالرحمن |
“وسط ضجيج أصوات الباعة والمشترين في سوق الخضار في مدينة إدلب، كنت قد هممت لأخذ سيارة أجرة بعد أن اشتريت كافة احتياجاتي اللازمة في العشر الأخير من رمضان، وإذا بامرأة ستينية استوقفتني لتسألني عمَّا إذا كنت أعرف أحدًا من مدينة (خان شيخون) وقتها لم يخطر على بالي أحد، فأجبتها بــ (لا) لكني رفضتُ أن تذهب، فثمة شيء ما في عينيها وقسمات وجهها الجميلة المرهقة أوحت لي بأن أسألها المزيد، ماذا تريد من أهالي خان شيخون؟ فأجابتني بغصة: “لأبيت عندهم” حينها شعرت أنه ينبغي عليَّ إيصالها إلى غايتها. بهذه العبارات بدأت “ريم” من مدينة إدلب تروي قصة “آمنة”.
خرجت “آمنة” من خان شيخون دون أن تحمل شيئًا من أغراضها بسبب القصف الكثيف الذي تتعرض له المدينة من قبل طائرات ومدفعية قوات النظام وروسيا منذ قرابة ثلاثة أشهر مضت، فتعرض خلالها بيت “آمنة” للقصف عدة مرات، وكانت قد خرجت على قيد الحياة من تحت الأنقاض، لكن في المرة الثانية آثرت أن تخرج بعد أن توفى الله والديها وبعض أخوتها بسبب القصف، لتنزح مع أحد أقاربها إلى مخيمات أطمة الحدودية المكتظة بالعائلات، لكن المخيمات ضاقت بها فنزحت إلى مدينة إدلب لعلها تجد أحدًا من أقاربها.
تتعرض مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي وحلب الغربي لحملة قصف ممنهجة من قبل القوات الروسية والسورية بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى حركة نزوح كبيرة وصلت حسب آخر إحصائية لمنسقي الاستجابة في الشمال السوري إلى 600 ألف نازح يعيش غالبيتهم ظروفًا مادية سيئة دون مأوى تحت أشجار الزيتون وفي مخيمات عشوائية.
من جهتها أوقفت المنظمات الدولية عملها في الشمال السوري ولا تستطيع المنظمات والمبادرات الفردية المحلية تغطية كافة المستلزمات من خيم ومساعدات إنسانية لكافة النازحين، فضلاً عن افتقار القائمين عليها للخبرة والتنسيق، مما يؤدي إلى استفادة أسرة من المساعدات عدة مرات مقابل عدم استفادة أسر أخرى مطلقًا.
تتابع “ريم” تمكنت في ذات اليوم من التواصل مع عدة أشخاص حتى وصلت “آمنة” إلى أحد أبناء مدينتها الذي بدوره تواصل مع أختها التي نزحت منذ فترة وتعيش في أحد المزارع في المدينة مع أبنائها وأحفادها وسلفاتها.
وتضيف ريم أن “آمنة” مطلقة منذ زمن بعيد؛ لأنها لم تُرزق بأطفال، فبقيت تُعيل أهلها قبل وفاتهم، وكانت الناجية الوحيدة، حيث خرجت من تحت الأنقاض بإصابة في قدمها اليمنى.
“آمنة” ليست الوحيدة التي فقدت أسرتها ومنزلها خلال القصف، بل هنالك عشرات الآلاف من المدنيين الذين يتعرضون لإبادة جماعية اضطرتهم لمغادرة منازلهم بحثًا عن ملاذ آمن خلال شهر رمضان، ولكل واحد منهم قصة مع الموت وحكاية في البحث عن الأمان.
يُذكر أن مدينة “خان شيخون” تعرضت منذ عامين ونيف لمجزرة مروعة بالغازات السامة المحرمة دوليًا من قِبل قوات النظام السوري راح ضحيتها 100 شهيد وعشرات المصابين.