لا نبالغ في القول: إنَّ الفن “الغرافيتي” في سوريا هو من أشعل شرارة الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات عندما كتب أطفال درعا عبارات مناوئة للنظام الذي يعتبر الجدران حكراً على السلطة الحاكمة التي ترسم شعارات حزب البعث وتمجد آل الأسد وخطابات الرئيس، ممَّا اضطر الحكومة السورية التي طالما زرعت الخوف في نفوس السوريين على مدار 50 عامًا لاتخاذ تدابير قمعية لإسكات صوت الناس، لكن آن الأوان لتنطق الجدران بعد صمت دام 50 عامًا، فوجد الناشطون أنَّ الجدران هي المكان المناسب لنقل الرسائل السياسية عبر الكلمات والرسومات.
جعل شباب الثورة السورية من الجدران مساحات مفتوحة للتعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه أعمال العنف والاعتقالات التي يقوم بها النظام ضدَّ المتظاهرين السلميين، ثمَّ توسعت هذه الرسومات لتتحول إلى لوحات فنية جميلة على الأبنية والجدران المدمَّرة من قبل النظام بهدف زرع الأمل والتفاؤل في نفوس سكان المناطق، وقد سمي هذا النوع من الفن بالفن الغرافيتي.
“عزيز الأسمر” فنان سوري من مدينة بنش في ريف إدلب حوّل جدران مدينته وبلدات مجاورة إلى لوحات فنية جميلة أصبحت حديث الناس رغم كافة الظروف التي تمرُّ بها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فثمة علاقة حبٍّ وطيدة تربطه مع الجدران والأسقف الآيلة للسقوط جرَّاء القصف، فهي ليست حجارة مدمَّرة فحسب، بل هي كالجسد المصاب الذي ما يزال ينبض بالحياة ويستصرخ من حوله بعدم تركه وحيدًا.
وفي لقاء خاص قال الأسمر لصحيفة حبر: ” الحياة ثورة متجددة ومستمرة في كلِّ الاتجاهات العلمية والاجتماعية والفنية، والفن الغرافيتي سلاح يقف جنبًا إلى جنب مع البندقية، وأنا أقوم بواجبي تجاه وطني فحسب لأنَّنا أصحاب قضية”.
معظم رسومات الأسمر مستوحاة من مستجدات الأحداث والتطورات الاجتماعية والسياسية التي يتعرض لها سكان المناطق المحررة، وكذلك من الانتصارات والانتكاسات التي تتعرض لها الثورة.
عثرات كثيرة تقف في وجه الفنان، فالبعض اعتبر رسوماته تشويهاً للجدران وتلوثًا بصريًا، بينما آخرون رأوا بأنَّها تعيد الأمل في نفوس العابرين وخاصة الأطفال للاستمرار بالحياة.
وعن الصعوبات التي تواجهه خلال عمله أضاف ” هنالك صعوبات لوجستية أثناء محاولتي الكتابة على جدران آيلة للسقوط وأسقف مهدمة، الأمر الذي يدعني لاستخدام الإسفنج أكثر من الريشات، لتصل الألوان إلى مسامات الباطون على الجدران المنهكة، كما تواجهني صعوبات من قبل بعض الفصائل التي تقيد أفكاري وتضع ضوابطا للرسم، كذلك أعاني من تخوف بعض المسنين الذين يرفضون أن أرسم على جدران حيهم ظنًا منهم أنَّ الطيران يستهدفهم بسبب تلك الرسومات.
شارك عزيز الأطفال الرسم على جدران المدارس والأحياء، فتقاسم معهم المتعة والمرح بالألوان الصارخة محاولًا بذلك زرع البسمة على وجوههم والأمل في قلوبهم الصغيرة التي أنهكتها الحرب، ومعظم رسومات الأطفال مستوحاة من الشخصيات الكرتونية التي يحبونها كسبونج بوب والسمايلات.
وفيما يتعلق ببعض الرسومات أوضح الأسمر أنَّ أَحَبَّ الرسومات إلى قلبه لوحة كتب عليها عبارة “سوف نبقى هنا”، وأكثر لوحة أحبها أهالي بنش “فتنا بالحيط” بينما حازت لوحة للدفاع المدني ولوحة بابا شيلني على إعجاب الكثيرين، لقد رسمت على جدران كثيرة خارج مدينة بنش، كزردنا وطعوم وتفتناز وكللي، وعلى جدران مدارس في ريف حلب الجنوبي.
وختم الأسمر حديثه مع حبر ” للفن الغرافيتي لسان يتحدث بكل لغات العالم، لذلك أعمل جاهدًا على أن ألامس في رسوماتي قلوبًا لم تكترث بآلامنا ولم يصلها ما نتعرض له من قصفٍ وقتلٍ واعتقالٍ وتشريدٍ من قبل النظام وحلفائه، والحمد لله تخطت بعض الرسومات حدود المناطق المحررة والجغرافية السورية ووصلت لأبعد ماكنت أطمح”.
ستبقى تلك الرسومات دليلًا وشاهدا على وحشية النظام وخذلان العالم للشعب السوري الذي لم يعر أيَّ اهتمام لتلك الجرائم ولم يحاسب مرتكبيها، ومن يدري لعلَّ تلك الرسومات تصل إلى العالم! فهل سيتمكن الفن الغرافيتي الذي يحمل بعضًا من وجع السوريين أن يطفأ نار الحرب كما أشعلها؟! على مبدأ وداوها بالتي هي الداء.
سلوى عبد الرحمن