كان لتحويل (آيا صوفيا) من مسجد إلى متحف عام 1934 في عهد أتاتورك رمزية كبيرة تجاه ترسيخ علمانية الدولة التركية، وكتابة صك القطيعة مع ماضيها العثماني (الإسلامي) حيث كانت آيا صوفيا إحدى أهم معالم ورموز بزوغ فجر الدولة العثمانية التي حكمت العالم ودان لسلطانها ملوك أوروبا متوددين وصاغرين عندما استطاع الفاتح (محمد الثاني) تجاوز أسوار القسطنطينية وتحويلها عاصمة لإحدى أكبر الامبراطوريات في التاريخ.
اليوم، وبعد ستة وثمانين عامًا، تعود آيا صوفيا كما كانت يوم الفتح العظيم، مسجدًا للمسلمين دفعوا ثمنها من دمائهم فتحًا، ثم اشتراها سلطانهم من ماله الخاص لتكون لهم ملكًا لا ينازعهم فيها مدعٍ ولا غاصب.
لا تتوقف رمزية استعادة آيا صوفيا اليوم عند استعادة الحقوق فقط، وإنما تمتد لاستعادة التاريخ كله، وتمزيق صك القطيعة مع الإرث العظيم الذي تركه أجداد الأتراك لهم على هذه الأرض ولكل شعوب الأمة المسلمة، تُستعاد اليوم في تركيا هُوية الشعب وهُوية الدولة وتلك الحضارة العريقة التي تنتمي إليها هذه البقعة من الأرض، حضارة انبثقت من بيوت الله لتعمِّر الأرض بأمره، وتهدي العدالة لشعوب العالم كافة.
لاستعادة آيا صوفيا رمزية كبرى أيضًا تجاه استعادة الذات الكبرى عندما سلبها أبناؤها أنفسهم في لحظة انبهارهم بحضارات الآخرين، فحولوا مناراتهم إلى متاحف تحكي مجد غيرهم، وانشغلوا باللحاق بالأمم بدل بعث ذاتهم العظيمة من جديد.
سيكون لهذا اليوم في تركيا أثر عظيم جدًا، يشبه يوم الفتح ذاك منذ ستمئة عام، حيث انتصر الأتراك في معركة وجودهم، واستعادوا إمبراطوريتهم التي بزغت من جديد داخل قلوبهم.
استعادة المساجد في هذه الأمة هي استعادة للقبلة، استعادة للبوصلة، استعادة لتلك الغايات العظيمة التي نؤمن بها، الأمر لا يمكن اختصاره ببعض الحجارة المرصوفة فوق بعضها، ولا ببعض الكلمات التي يمكن أن تُكتب، المساجد بالنسبة إلى المسلمين عمارات في الوجدان والثقافة والرسالة، المساجد هي المكان الذي تلتقي فيه عمارة الأرض بتعاليم السماء، حيث ذلك الفضاء الواسع للعمل والعبادة بغية الوصول لرضا الخالق العظيم.
القلوب تترقب أن يستعيد المسلمون مساجدهم المسلوبة جميعها، في القدس ودمشق وحلب وقرطبة وغرناطة و الحجاز و… لكي تكتمل هُوية هذه الشعوب جميعها كأمة واحدة، ويصدح صوت الحق من كل المآذن … الله أكبر .. الله أكبر
المدير العام | أحمد وديع العبسي