من آثار غياب الدين والدافع العقدي لدى بعض المحسوبين على الثورة انتشار ما أحب أن أسميه (أبو الثورة)
أبو الثورة اسمه يعرّفك به، فلست بحاجة إلى معاجم، ولا إلى مختصين أكاديميين حتى يشرحوا لك معانيه ودلالاته، فهو أبو الثورة، بكل ما تحمله الأبوة من معانٍ فيزيولوجية، وروحية، وأبعاد عقدية، وسياسية.
هل قدمت خمسين شهيدًا من عائلتك المكونة من ستة أفراد فقط؟! اسمح لي أن أخبرك أن أبا الثورة قدم سبعين شهيدًا من عائلته المكونة فقط من خمسة أفراد، ولا تسألني كيف ذلك، فلا يعلم جنود ربك إلا هو!
هل كنت في أول مظاهرة خرجت من جامع (آمنة، الريحاوي، العمري، خالد بن الوليد، بني أمية، .. إلخ) دعني أخبرك أن أبا الثورة كان معارضًا شرسًا للنظام قبل أن تلتقي النطفة مع البويضة اللتان شكلاك فيما بعد.
هل كنت في أول تشكيل عسكري في قريتك أو مدينتك أو حيِّك؟ إذا كانت إجابتك نعم فعلى الأغلب أنت لا تدري أن أبا الثورة هو من قام بنفسه بتهريب السلاح لكم من العراق أو تركيا على ظهور الحمير والبغال في الليلة الظلماء الباردة التي قضيتها أنت سامرًا مع أهلك وخلاّنك قرب المدفأة.
وأرجوك أرجوك لا تقل لي أطفال درعا، فلعّلك لا تعلم أن أبا الثورة قد باع هاتفه المحمول ليشتري لهم بخاخات الطلاء ليكتبوا بها عبارات الثورة الأولى على جدران مدرستهم.
ولا تخبرني بوحشية معتقلات الأسد في الثورة، فأنت لم تذق وحشيتها قبل الثورة حينما كان أبو الثورة يرسل السلاح لمجاهدي العراق ضد الاحتلال الأمريكي، أو ينظم النشاطات التثقيفية ويوزع المناشير التي تبشرنا بالمستقبل الديمقراطي الحر.
المختصر المفيد أنك مهما قلت أو قدمت فلن تصل إلى معشار تضحيات أبي الثورة، ومهما بلغت وحققت لن تقترب لمثقال ذرة من تراث أبي الثورة.
أبو الثورة يعيش أسعد لحظات حياته حين يتعرض لحصار ثم تهجير، وأكثر ما يبهج قلبه هو استشهاد أحد أقربائه بغارة طيران، أما إن شهد معركة ما ولو قدرًا دون رغبة منه فذاك الفوز الذي ما بعده فوز، وحبذا إصابة في هذه المعركة، لأن أبا الثورة ينظر لهذه الأمور أنها مؤهلات تمنحه قدسية الجلوس على عرش المزاودة، ولذة تصنيف الناس لثوار ومتسلقين أو مجاهدين وقاعدين، وفي ذلك من المتعة الرائعة ما يرضي غروره وأناه المتضخمة.
تفسير ظاهرة أبو الثورة لا أتوقع أن يخرج عن ثلاث نظريات، فإما عميل استخباراتي يعتمد على المزاودات لذر الرماد في عيون الناس حتى لا يروا حقيقته، وإما إنسان منتفع يلهث خلف مصالحه الشخصية ويحميها عبر تغليفها بشعارات رنانة، وإما إنسان فاشل يحسد من حوله بسبب مركب النقص في داخله، فيحاول تحطيم الناس الناجحين عبر إفراغ إنجازاتهم من مضمونها.
لذلك نجد كثيرًا من الأصناف التي تمارس طقوس جلد الذات وتستلذ بها، وتريد أن تبقى وتبقينا معها أسرى لمرحلة مضت وانتهت، كالسلمية، أو بدايات المسلحة، أو غيرها، وكل ذلك يخدم هدفًا واحدًا، وهو أن يوصل لك بطريقة غير مباشرة، أنه في تلك المرحلة كان هو أبو الثورة الذي فعل وفعل، ثم تنكر له الزمان وأهله.
مشكلة تضخم الأنا لدينا جميعًا، هي أحد أسباب استمرار معاناتنا لليوم، فكم من أنا متضخمة أفسدت بسفهها مشروعًا إنقاذيًّا، وكم من أنا متضخمة أوردتنا المهالك بطيشها ومراهقاتها، ويبقى الشعب هو الخاسر الأكبر، ويبقى المزاود لا ثورة قطعَ، ولا أجرًا أبقى، وبعد أن نقرأ هذا المقال سنفهم معانٍ جديدة لشتيمة “يلعن أبو الثورة”