منيرة بالوش |
بجهود فردية ونظرةٍ مليئة بالتحدي، استطاعت عدة فتيات يافعات أغلبهنَّ طالبات جامعيات من مدينة “معرة مصرين” في محافظة إدلب إنشاء مكتبةٍ ثقافية، أطلقوا عليها اسم: “أثر الفراشة” لِما له من ارتباط وثيق في عملهنَّ بإنشاء المكتبة بأبسط الإمكانيات المتاحة لديهنَّ.
من صناديق السلاح المرمي على جنبات المدينة، إلى رفوف تحمل بين طياتها الكتب والعلوم والمعارف في مكتبة أثر الفراشة تقول السيدة “ربا ياسين” لصحيفة حبر وهي المديرة الحالية للمكتبة: “تَطلعنا أنا وصديقاتي منذ ثلاث سنوات إلى إحداث أثر في المجتمع نكون نحن اللبنة الأساسية فيه، بعد انخفاض مستوى التعليم بشكل عام ومستوى القراءة بشكل خاص وتدني الثقافة وتشتت الأفكار والإدمان على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في المناطق المحررة، كل ذلك أدى إلى ظهور جيل من الأطفال وحتى اليافعين لا يعرفون القراء ولا الكتابة، جاءت فكرة إنشاء المكتبةٍ من الكتب الموجودة لدينا وهنا كانت بذرة المشروع”.
وبإمكانيات بسيطة جداً استطعنَ الفتيات تجسيد الفكرة على أرض الواقع عن طريق تنظيف قبو في أحد المدارس وطلائه وتحويل صناديق السلاح الخشبية بعد فكها وطلائها إلى رفوف، وتثبيتها في المكان المناسب، وهنا بدأت ملامح المكتبة بالتشكل من الكتب المتوفرة لديهنَّ.
تقول السيدة ياسين: “إن حلمهنَّ بالمكتبة قد بدأ يتحقق ولكن المهمة ماتزال صعبة والطريق طويل” وعليه فقد أطلقت الفتيات حملة تبرع بالكتب عن طريق الإنترنت للداخل والخارج السوري، وبالفعل لاقت تفاعلاً كبيراً وصادماً بالنسبة إلهنَّ، حسب تعبيرها، فقد كانت الاستجابة أكثر من المتوقع من قبل محبي القراءة ورواد المكتبات ممن أعجبوا بالفكرة وأرادوا المساهمة في تحقيقها ونجاحها.
تم التواصل مع عدد من الشبان ممن أبدى تعاونه للمشاركة في جمع الكتب من عدة دول مثل (تركيا وتونس والعراق وفلسطين) وحتى من داخل المدن السورية وإرسالها للمكتبة.
وتكررت حملات التبرع ونشر فكرة المكتبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى بلغ عدد الكتب المتبرع بها حالياً نحو 850 كتابًا.
الكتب الموجودة في المكتبة تضم أقساماً تاريخية، اجتماعية،، دينيّة، سياسيّة، اقتصاديّة، تنمويّة وروايات عربيّة وعالميّة مترجمة، بالإضافة إلى رفدها بقسم لكتب الأبحاث واللغات الانكليزية والتركيّة تناسب جميع الفئات العمرية.
يتم استعارتها بشكل مجاني وقراءتها ثم إعادتها للمكتبة، وتقام أحياناً جلسات نقاش حول بعض الكتب لتبادل الآراء وتفعيل المشاركة الثقافية فيما بينهنَّ.
كل هذه الأعمال والنشاطات هي نتيجة جهود شخصية للفتيات المتطوعات دون وجود أي جهة داعمة لهنَّ، تؤكد السيدة “ياسين” أنهنَّ يجمعنَ مبلغاً محدداً من الأعضاء لشراء مستلزمات للمكتبة وتجهيزها بأمور لوجستية مختلفة، ومازال العمل تطوعي إلى الآن.
غير أنه بعد فترة من افتتاح المكتبة حاولت “منظمة الأمين” عبر “برنامج تطوير لدعم الفرق التطوعية ” من تزويد المكتبة بعدد من الكراسي الطاولات والرفوف الإضافية فقط، وتم توسيع المكتبة باستئجار دار مخصصة لها من قبل الفتيات المتطوعات يجتمع فيه زوار المكتبة ومحبي المطالعة وتعقد ندوات بشكل دوري والجلسات لمناقشة بعض الكتب والمواضيع المتعلقة بالمكتبة.
في حين تم تخصص تجهيزات المكتبة القديمة التي كانت من صناديق الحرب إلى قسم خاص بالأطفال تم ملؤه بالقصص الهادفة، والكتب المناسبة لأعمارهم والمفيدة لهم عبر تخصيص نشاطات محددة يومي السبت والأربعاء للحديث عن محتوى القصص وتعزيز عادة القراءة لديهم من الصغر، والهروب من واقع الحرب الذي يحيط بهم إلى عالم الكتب والقراءة الممتع.
الشابة” آلاء ” وهي من المتطوعات الأوائل في المكتبة ومسؤولة قسم الأرشفة، تعتبر مكتبة أثر الفراشة بيتها الثاني ومشروعها الأول وحلمها الذي يكبر يوماً بعد يوم، مع زميلاتها وحتى مع رواد المكتبة الذين أصبحت تربطها معهم علاقة محبة وصداقة وثيقة، في رواق المكتبة الثقافية.