السودان والجزائر، وقبل ذلك تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وانتفاضات قصيرة الأمد في العراق والأردن والمغرب والسعودية ولبنان تم التعامل معها بطرق مختلفة، جعلت الشعوب تفكر كثيراً قبل أن تخوض أي انتفاضة أو ثورة حقيقية، لاسيما وأنّ التهديد بالمحرقة السورية ظل خطاباً موازياً لأي فعل شعبي من الحكومات العربية، كما أن الانتكاسة الكاملة التي مُنيت بها الثورة المصرية كان لها دور كبير في هدوء الربيع العربي وانكماش الشعوب بشكل شبه تام.
تحرك الجزائريين كان مخالفاً للوضع السائد، وقد قُوبل بتخوف كبير من النخب العربية التحررية في البداية، لكن إصرار الشعب على المضي في طريقه وتوجيه رسائل مباشرة للحكومة الجزائرية تردُّ بعدم الاكتراث للتهديد بالسيناريو السوري الذي ظهر فور بدء انتفاضة الجزائريين، جعل من الجزائر أيقونة الموجة الارتدادية للربيع العربي أو الانتفاضة الثانية، والذي امتدّ إلى السودان في مشهد مشابه للموجة الأولى التونسية التي امتدت مباشرة إلى مصر، وبينما تحاول الفئة الحاكمة في الجزائر استنساخ التجربة التونسية بشكل يوفر ضمانات أكبر لها دون تفجير الوضع الذي لن يكون في صالحها ولا صالح الشعب، عمل الجيش السوداني على استنساخ التجربة المصرية ليعود للسيطرة على الحكم مرة أخرى.
اعتقد أن ثورة الجزائر – السودان، ستصل إلى دول عربية أخرى كما في ثورة تونس _ مصر، ودول الخليج ربما تكون الأكثر تأثراً بهذه الثورات، إذ إنها أبرز من حاربت الموجة الأولى من الثورات، وتفجّرُ الموجة الثانية هو هزيمة لها بحال من الأحوال.
المهم في هذه المقاربة هو التأكد من أن عقارب الساعة لا تعود إلى الخلف على الإطلاق، ورغم المأساة الكبرى التي حملها الربيع العربي في سورية وفي ليبيا ومصر واليمن ونجاح جزئي في تونس، إلا أن استمراره وخاصة في التجربة السورية جعله أيقونة للممكن، ولمحاربة الطغيان والقدرة على الوقوف في وجهه، فرغم الانقلاب في مصر إلا أنها ليست بالاستقرار الذي كانت عليه زمن مبارك، والعسكر اليوم يعيشون كابوساً من الشعب المصري لا يقل عمّا يمارسونه تجاهه من تخويف وإرهاب، كذلك في ليبيا لم تستطع أموال الإمارات أن تُحقق العودة للنظام القديم، والمأساة في سورية حققت التخلص من المستبد الطاغية لصالح الدخول في حرب مباشرة مع الاحتلال وعملائه في طريق التحرر الكامل، وكذلك الحرب المشتعلة في اليمن، ما يجعلنا نتأكد أن الثورات رغم واقعها الصعب جداً هي خطوات كبيرة للأمام، لا تظهر الآن بوضوح بسبب وعورة الطريق الذي تراكم عليه الاستبداد في الخمسين سنة الماضية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي