يعدُّ دافع السيطرة وتأكيد الذات من أهم الدوافع التي تودي بالبشر للصراعات، وبغياب العقل والنقل وبروز الشهوات وحب الثروة يزداد الصراع شدة وعمقاً.
مرت الصراعات الإنسانية بأشكال عدة مع تصور أنماط الحياة لدى الإنسان، ابتدأت بقتل ابن آدم أخاه وكانت السبب هو الحسد والأداة أبسط ما يكون، والدافع هبة مُنحت لأحدهما دون الآخر.
ومع مرور الأزمان ابتدأ الإنسان يطور أدواته فبدأ يستخدم الأحجار ثم عرف المعادن وتحول نمط حياته من الأفراد إلى الجماعات، وصارت حياة الفرد مرهونة بقرار زعمائه، فكان قرار السلم والحرب فرديًّا ودفع التكلفة جماعيًّا، حروب لا تكاد تنتهي، إلا أن بدائية الأدوات جعلت شرها أقل.
ومن ثم ظهرت القوميات وظهرت معها الإمبراطوريات التي خالها الناس منعة لهم وقوة تحميهم من بأس جيرانهم، إلا أن الأباطرة سرعان ما نما غرورهم، وتعد الإمبراطورية الرومانية والفارسية خير مثال على ذلك.
ومن الملفت للنظر أن الناس عرفوا نظام الوصاية أو الانتداب في وقت مبكر،
وهنا يعود للذاكرة قصة النعمان بن المنذر الذي كان رئيسًا لقبيلته ولم يحافظ على كرسيه فخسر حياته، لكنه كان سببًا في زعزعة عرش كسرى، فقضيته أثارت مشاعر القبائل العربية ضد الفرس، فوقفوا صفًا واحدًا في ذي قار، فكانت نقطة تحول في التاريخ أشاد بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ” يوم ذي قار يوم انتصف فيه العرب من العجم”
وبظهور الإسلام ظهرت روابط جديدة بين المسلمين، ففيهم المهاجرين والأنصار وفيهم العرب والعجم، يجمعهم التوحيد ويقودهم قائد ما عرف التاريخ مثله، وبذلك ظهر أول جيش عقائدي لا يميز بين مقاتليه فلا عصبية فيه ولا تعصب، فكانت الفتوحات والانتصارات مستمرة لعقود، إلى أن ظهر الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة، فاستغلت بعض الدول الاستعمارية ذلك فأعادت إلى الواجهة الاحتلال العسكري، لكن هذه المرة بتجنيد أبناء المستعمرات لتفادي النقد الداخلي وخسارة العنصر المحلي واستخدم الدين لأول مرة لاحتلال الشعوب ونهب ثرواتها بالخداع والتضليل، فظهر الوجه الحقيقي لساسة أوربا، فهذا ينشر المذهب الكاثوليكي المنتشر في بلاده لا حبًا به وذاك الأرثوذكسي …. إلخ، فضلاً عن المساعدات اللاإنسانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ورغم فعالية هذه الأدوات والأموال المبذولة فيها إلا أنها لم تنجح مع الشعوب ذات الإرث الديني والحضاري، فكان العلماء والمعلمون عدوهم اللدود.
وبعد ظهور شاشات التلفزة وتأسيس عصبة الأمم المتحدة ورفع شعار حرية الشعوب والديموقراطية، بالإضافة إلى أن الاحتلال العسكري أصبح يشكل عبئًا اقتصاديًا على الدول المستعمرة، كان لابد من بديل أكثر دبلوماسية وأقل كلفة، حيث يعتبر نظام الانتداب من أقذر أساليب المحتل وأكثرها حنكة، ذلك عندما بدأ بزوال الدولة العثمانية فتعددت صوره وأشكاله وتطور بمرور الزمن ولا يزال موجودًا إلى يومنا هذا، حيث يعتمد المحتل فيه على دعم شخصيات موالية له من شأنها أن تغرق البلاد بالديون والصفقات المدمرة، فالمال يستخدم فيه بشكل واضح، ويعدُّ هذا النظام من أقذر أدوات المستعمر وأكثرها فتكًا بالشعوب، فهو يوجه الرأي العام بطريقة خبيثة ويظهر كل معادٍ للأنظمة على أنه قاتل أو مجرم، ويوهم العوام أنهم مشاركون في السلطة وأنهم يعرفون كل ما يجري في أزقة السياسة، وهنا يكمُن دور العلماء والدعاة في نشر الوعي وقيادة الأمة.
وفي ثمانينات القرن الماضي بدأ ظهور مليشيات على أساس عقائدي فاسدة مليئة بالحقد والعداء لأبناء البلد الواحد والدين الواحد، تُوجَّه من قبل دول كبرى ومقاتلوها كالمخمورين يدافعون عن أحقاد عمرها تجاوز مئات السنين، تقودهم شهوات القتل وسفك الدم.
رغم أن العالم يعيش في القرن الحادي والعشرين إلا أنه في الجاهلية الأولى، والسبيل الوحيد لوقاية الأجيال من شر الصراعات والوقاية منها ومواجهتها نشر العلم وتعريفهم بالتاريخ واتباع الدين، فالدين لصيانة حقوق الإنسان وصياغة علاقته مع الناس لئلا يَظلم ولا يُظلم.