ميرنا الحسن
لعلَّ النساء السوريات، لا سيَّما الأرامل منهنَّ في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد يتحدينَ أقوى أنواع الظروف صعوبةً ، ويعشنَ أشدَّ أنواع العنف اللفظي والمجتمعي والاقتصادي وغيره الكثير، ممَّا جعل آلامهنَّ تتضاعف باستمرار أكثر من الأرامل القاطنات بمناطق النظام كون الأخيرات وضعهنَّ الأمني مستقر نسبيًا، فأقل ما يمكن قوله: إنهنَّ لا يتعرضنَ للقصف الجوي مقارنة بحجم المسؤوليات التي تقع على كاهل أرامل المناطق المحررة، فقد أشارت معظم التقارير المتحدثة عن ذات الموضوع إلى وجود حوالي مليون أرملة في سورية، بعد خمس سنوات من الثورة.
“كنت أظن أنَّ فقدان زوجي أكبرُ فقدٍ أصابني، إلا أنَّني اكتشفت أنَّ نيران الفقدان بعده أبشع مئات المرات، فأكبر أولادي عمره ثمانية عشر عاما، وأصغرهم عمره ثلاثة عشر عاما، وجميعهم بسن المراهقة ولم يتأقلموا إلى الآن مع واقعهم المعاش من غير أبٍ، وجميع أمور المنزل المادية أحملها على عاتقي، أعمل دون كلل أو ملل، لأوفر كلَّ ما يلزم لأطفالي، وأخفف من شعورهم عقب غياب زوجي” هكذا وصفت حالتها (أم محمد) ذات 45 عاما جراء وفاة زوجها قبل سنتين.
لكن إذا كانت أم محمد تحمَّلت مرارة الحرب، وأخذت دور الأب والأم لتعوض أطفالها فقدان والدهم، وعملت بمجال الإعلام داخل مدينة إدلب دون تقييد من عائلتها أو عائلة زوجها المغتربة، فهنالك الكثير من الأرامل وقعنَ بين خيارات مريرة، ليزرع العنف العائلي في قلوبهنَّ أوجاعًا كثيرة جعلتهنَّ يكبرنَ سنوات.
هذا ما أوضحته (منال) التي لم تتعدَ من العمر 35 عامًا، عندما تحدثت لصحيفة حبر عن معاناتها بعد أن توفي زوجها في اللاذقية، فاضطرت للزواج من أخيه كي تحافظ على بقاء أطفالها بجانبها، فاحتجزت عائلته أطفالها إثر انفصالها عنه نتيجة معاملته القاسية التي لم تطقها أبدًا، فعادت وحيدةً إلى عائلتها داخل مدينة إدلب، وانصدمت مجددًا بقرار والدها الذي منعها من العمل بأي منظمة كانت، نسائية أو إغاثية أو تعليمية أو غيرها، تؤمّن منها استقرارها المادي كحدٍ أدنى.
ليس ببعيد عن المشاكل العائلية التي تقع فيها أرامل سوريا، (فأمُّ عامر) من ريف حلب الغربي التي فقدت زوجها بعد أن أودى بحياته صاروخ من الطائرات الحربية، كان لا بدَّ لها من أن تتعرض إلى العنف المجتمعي من خلال انصياعها للعادات والتقاليد القديمة غير المراعية لظروف الحرب التي يتوجب مسايرتها وتكريسها بما يصب بصالحها، تشرح حالتها بأنَّها مريرة جدًا بعد أن تحوَّل مجتمعها إلى جحيم يحرقها كيفما اتجهت تقول: “ذاك المجتمع الذي نظر إلي وسكَّانه بكل احترام وتقدير وثناء على أنَّني زوجة شهيد في البداية، وزعم من خلال مؤسساته ومنظماته أنَّه يحاول تأمين احتياجاتي وأطفالي، كان أوَّل من تمرَّد عليَّ مع أعزِّ وأقرب الناس بعد فترة من الزمن، عندما حاولت العمل بأحد المحلات التجارية لأقتات لقمة عيشي دون شفقةٍ من أحد، فتعالت كلماتهم الجارحة ونظراتهم الغامضة كونهم يرون أنَّ مجتمعنا ذكوري، وجنة النساء منازلهن”.
إنَّ عدد المنظمات الإغاثية وصل إلى ما يقارب 1500 منظمة على امتداد الداخل السوري المحرر، إلا أنَّها جميعها لم تعد تفي بالغرض بالنسبة إلى الأرامل اللواتي انقطعت عنهنَّ كفالات الأيتام التي كانت تصرفها لهنَّ بعض المنظمات المعنية بهذا الغرض لأشهر معدودة، بعد أن التفتت هذه المنظمات الموجودة في مدينة إدلب بعملها إلى عوائل ريف دمشق ومدينة حلب المهجرين قسريًا لتأمين الحاجات الضرورية لهم.
وفي ذات السياق أردفت (سماح) البالغة من العمر عشرين عاما بعد أن استشهد زوجها في أقبية سجون الأسد: “إنَّه رغم مواساة كلِّ من حولي لي بأنَّه من الممكن أن يتقدم لي زوج آخر طالما أنَّني وحيدة دون أطفال من زوجي السابق، وفرصي أكبر من الأرملة التي لديها أطفال وترفض أن تتخلى عنهم عند زواجها من آخر ما يؤدي إلى إحجام المتقدِّم من جهة، أو يشترط ألا يرعى أطفالها، ومنهم من يوافق على اصطحابهم، ومن ثمَّ يعاملهم بعيدًا عن الأخلاق من جهة أخرى، ليقع كثيرات منهنَّ بين خيارين أحلاهما مرُّ، قررت أن أعيش وحيدة بعد أن شاهدت تجارب زواج فاشلة لأرامل بمحيطي، ولو كنت ببيئة محيطة تراقبني كيفما اتجهت، وأطالب المنظمات الإنسانية بالعمل على المشاريع التنموية الخاصة بالنساء، كي يجددوا طريقًا آمنًا يريح نفوس الأرامل نوعًا ما بما أنَّ بعضهنَّ قد اخترنَ العيش دون زواج”.
محاولات، ومساعٍ، ومبادرات لا بأس بها، تسعى بعض المنظمات والجمعيات لإقامتها بما يصبُّ في مصلحة أرامل الحرب السورية الفئة الأكثر اضطهادًا وتحملًا للمصائب، إلا أنَّها تبقى حلولٌ ومساعدات مؤقتة لا ترتقي إلى قوتهنَّ التي تضاهي جلادة الرجال طالما أنهنَّ على مرَّ السنوات أثبتنَ صبرًا فاق قدرة التحمل عند رجال كثيرين، وتابعنَ مسيرة الحياة بكلِّ إصرارٍ بحلوها و مرِّها.