على مدى سنوات حياتي رأيت دموعا في عيون لا حصر لها، دموع اشتياق في عيون عاشقين، دموع يأس في عيون مرضى، دموع قهر في عيون معتقلين أبرياء، دموع استجداء في عيون لم يبق لها شيء، دموع عذاب في عيون موجوعة لا تقوى على التعبير بالكلمات.
لكل عين دمعتها المتألمة، لكن في عيون أطفال سورية التقت كل أنواع الدموع مع بعضها، دموع القهر والرعب والغربة والعذاب واليأس والمرض والأمل والبراءة والشوق!! ما أروع تلك العيون البريئة التي فاضت بكل تلك المعاني التي لا نهاية لها!
مدرسة للدموع ترونها بوضوح في عيون أطفال سورية، فيها تتعلمون قيمة الدمعة وأوجاعها وآثارها وكوارثها.
الدمعة تعبير أرقى من أعمق الكلمات في كل اللغات، وكما أن الألحان لغة عالمية يفسرها البشر جميعا على اختلاف لغاتهم وأديانهم وثقافتهم، فالدموع لغة العيون، العيون لا تكتب ولا تعزف، لكنها تنقل ألف معنى في نظرة مرفقة بدمعة!!
ماذا تقول عيون أطفال سورية؟!
بدموعهم صرخوا في وجه العالم، سمع العالم ورأى ولم يحرك ساكنا، كل الذي كان يتحرك ويغرد ويصور ويكتب هي منصات التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، وغيرها) غرد الناشطون في الذكرى السابعة لثورة سورية، تحت عنوان: (سبع كلمات لأطفال سورية)
كتبوا وغردوا وبكوا وغصت صفحاتهم الزرقاء بصور لأطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى طفولتهم الإرهابية!
نعم، في سورية تغدو مذنبا وبشدة لأنك طفل إرهابي، شاء القدر أن تولد وتعيش في الغوطة الشرقية، أو في أي مكان ثائر، لكن الأطفال لا يعرفون معنى الإرهاب ولا يمكن أبدا أن يتعلموه.
عفوا، أيها الغبي، ألا تعلم أن الجنين في بطن أمه إرهابي بالفطرة، في جيناته إرهاب، وفي دمه تسبح عصابات مسلحة تريد أن تحرق البلد!!
حتى إن بعض الأطفال ولدوا وفي أيديهم قنابل متفجرة!! هكذا غرد أحد المؤيدين لنظام الأسد ليبرر قتل أطفال الغوطة الشرقية، الذين لم يعد لهم لا ليل ولا نهار، ولا طعام ولا شراب، ولا دفء ولا حب، كل ما لديهم فقط أصوات الطائرات الروسية تلقي حممها على مدار الساعة فوق رؤوسهم، وملاجئ هشة تحت الأرض لا تحميهم من خوف ولا وتطعمهم من جوع، والعالم يغرد بسبع كلمات فقط للتعاطف مع أطفال سورية!!
لا يهم هل وصلت التغريدات لقائمة (ترند العالمية)، ولا يعني أحد محتوى التغريدات، كما قد يبدو أنه لا معنى لما أكتبه، مادامت الكتابة والتغريدات لا توقف حربا ولا تنقذ روحا!!
ما يهمنا فقط هو أن نصف أطفال سورية وربما أكثر يعيشون في المخيمات، وأن مطر الشتاء يجعلهم بلا مأوى، إذ تفيض الخيام بالماء والوحل ويمضون ليلهم في البرد والعراء.
أطفال سورية بلا تعليم، حروفهم الأبجدية رصاصة تقتلهم وخيمة تأويهم، وسلة إغاثية تسكت بعض جوعهم.
أطفال سورية بلا طفولة، بلا حياة، بلا مستقبل زاهر ينتظرهم، لكنهم مايزالون أبرياء أقوياء، يعيشون يضحكون حينا ويبكون حينا آخر، وأنتم ما تزالون تكتبون على صفحاتكم الزرقاء أطفال سورية يستحقون الحياة، وأرجوكم لا تقتلوا طفلا آخر!! سبع كلمات هي مجرد حروف بالنسبة إليكم، وسبع أعوام هي ثورة دم ودمار بالنسبة إليهم، هم صامدون وأنتم تغردون.