عبد العزيز العباس |
رواية (ذاكرة الجسد) للروائية أخلام مستغانمي بِيع منها حوالي 3 ملايين نسخة وطُبعت أكثر من 19 مرة وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة الممثل السوري (جمال سليمان، والممثلة الجزائرية أمل بوشوشة) وحصلت على جائزة نجيب محفوظ للرواية، فما السر وراء هذا النجاح؟ هل هي القصة أو الأسلوب أو غير ذلك؟
التداخل بين الشعر والنثر في الرواية مميز جداً كقولها: “الفن هو كل ما يهزنا وليس بالضرورة كل ما نفهمه” ومثل: “نحن لا نشفى من ذاكرتنا، ولهذا نحن نكتب، ولهذا نحن نرسم، ولهذا يموت بعضنا أيضاً”
طريقة سرد الأحداث جاءت على شكل شريط ذكريات يقصها علينا الرسّام (خالد بن طوبال) العاشق الذي فقد ذراعه اليسرى في الثورة الجزائرية ضد فرنسا، وهذا سبب الطرح الذكوري للجسد الأنثوي، وهو ميزة من ميزات الرواية.
قدرة أنثى على الكتابة بأسلوب رجل، مثلما كان يفعل نزار قباني وعمر بن أبي ربيعة في بعض قصائدهم، إذ يتحدثون عن أنفسهم بلسان الأنثى، وكذلك الكاتبة أحلام مستغانمي تحدثت عنها وعن الأحداث بلسان خالد بن طوبال.
القصة المميزة أضفت على الرواية جمالاً فوق جمالها، شخص يشارك في الثورة الجزائرية تحت قيادة (السي طاهر) والد بطلة الرواية، وقبل موت السي طاهر يوصي خالداً بزيارة أسرته في تونس المكونة من أم وبنت، والأخيرة هي بطلة الرواية اسمها (حياة) عند خالد بن طوبال، هكذا أراد تسميتها كأنّها حياته التي مضت، أمّا اسمها الحقيقي في الرواية فهي (أحلام) على اسم الكاتبة أحلام مستغانمي، فهل يُعقل أن يحبّ رجلٌ بنتاً تصغره ب 25 سنة وهو لا يعرف اسمها ولا يعرف شيئاً عنها؟! فالكاتبة بالانطلاق من لحظة المستقبل تنظر إلى الماضي فتعكسه فتعلن أنّه يحبها مذ كانت طفلةً من خلال اللعب بالزمن، وهو ما عبرت عنه الكاتبة بقولها: “نسيت أن أقبلك نيابةً عني، نيابةً عن الرجل الذي سأتحوّل إليه على يدك بعد ربع قرن”.
وقد كان ارتباط الرواية بأحداث الثورة الجزائرية بُنية هيكلية ليس إلّا، فالرواية موضوعها رومانسي يعتمد على ذاكرة خالد بن طوبال وتفاعله مع الأحداث، لكنّها في الجانب التاريخي لم تتعرض للكثير من الأحداث المهمة، مثل العشرية السوداء التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين، مع أنّ الكاتبة في لقاء صحفي لها قالت: “إنّ الرواية محمّلة بنصف قرن من تاريخ الجزائر”
ورغم النجاح والشهرة التي نالتهما الرواية، هناك أمور تؤخذ على الرواية منها:
1- البنية في الرواية بنية اعتباطية ليس لها علاقة بالأحداث أو الشخصيات أو الزمان، أو قد يكون ذلك راجع إلى أسلوب السرد وهو شريط ذكريات خالد بن طوبال.
2- سيطرة البعد الرومانسي على البعد التاريخي بشكل طغى على البعد التاريخي، يعني كأنّ الثورة الجزائرية ليست إلا بنية هيكلية يراد منها أنّ هذا البطل شارك في الثورة ليس إلا، لا نعرف أسباب الثورة أو متى بدأت ومتى انتهت.
3- النقد السياسي في الرواية بعد مرحلة ما بعد الاستقلال طال طبقة رجال الأعمال والسياسيين دون التعرض إلى رجال الدين والسلطة الحاكمة، وقد كان الصراع بين هذين الطرفين هو سبب العشرية السوداء.
4- استعمال مصطلحات أجنبية بالفرنسية ومصطلحات عامية بالجزائرية دون الشرح أسفل الصفحات أو الإشارة إلى المعنى المراد، مع العلم أنّ الرواية مُوجهة لقارئ ناطق بالعربية قد لا يعرف الفرنسية.
5- وجهة نظر شخصية حياة في الأحداث، فهي لم تبد رأيها في حب خالد ولم ترفض الزواج التقليدي من شخص آخر غير خالد رغم أنّها طالبة جامعية مثقفة.
6- خالد بن طوبال تحوّل من مناضل ضد فرنسا إلى رسّام مشهور في فرنسا! لا تعليق.
ليس المقصود بالنقد التقليل من قيمة هذا العمل الأدبي، لكنّ اللغة الشعرية وقصة الحب العاطفية والأسلوب هي أهم أسباب نجاح رواية ذاكرة الجسد الذي جعلها تلقى كل هذا القبول الجماهيري الواسع.