أول أمس الخميس عقدت الجلسة ذات الرقم غير المهم في استانا، العاصمة الكازخية التي يذهب إليها المفاوضون لإيجاد حلٍ ما للقضية السورية.
ينسحب الوفد الممثل للثوار من استانا، احتجاجاً على توقيع إيران كضامن للاتفاق وهي الدولة العدو وأحد كبار المجرمين في سوريا، التي يجب أن تكون طرفاً، وليست أحد الضامنين، ثم يتم توقيع الاتفاق بغياب المنسحبين، ويقرر فيه مناطق لتخفيف الأعمال العدائية وخفض التوتر، تنص أن يقتل 10 أشخاص بدلاً من 20، وأن يطلق صاروخ واحد عن كل خمسة صواريخ سابقة، وتختصر المعارك المباشرة ما أمكن، حتى لا ينشب توتر أو ضغينة بين الأطراف المتصارعة، بينما يبقى الشعب الثائر ضحية تُقتسم دماؤها من جديد، ولكن هذه المرّة .. على مهل.
لست متفائلاً أبداً بالوصول إلى حلّ بهذه الطريقة، فالتراجع أمام صياغات الأعداء هو هزيمة قاسية، ستتم برمجتها بكل تدريجي لإفراغ الساحة من أي إرادة للمقاومة، كما أن عدم شمولية سوريا كلها بهذا الاتفاق يجعل أبواب جهنم مفتوحة على أهلنا في المناطق التي يريد النظام التفرغ لها، بينما نعيش نحن على أوهام التخفيف، لنكون أكثر رشاقة في تقبّل الهزيمة.
طبعاً كل هذا لا يعني أن نقف ضد المفاوضات، فالحلّ السياسي دائماً هو النهاية لأي ثورة، أو حرب، ولكن علينا أن نكون أكثر وعياً لما يريده الأعداء، لكي نستطيع اقتناص الحلول التي تناسب شعبنا بأفضل الطرق الممكنة، فلا أحد يقدم لك شيئاً بالمجان، ولازالت هناك فرصة كبرى لتحقيق مكاسب حقيقية، إذا عرفنا لماذا يُقدم العدوّ على التفاوض.
إمّا أننا أقوياء بما يكفي لإخافته من احتمال هزيمة قادمة علينا أن نلوح بها سريعاً، وإمّا أن لحلفاء النظام مصالح استراتيجية لم يعد النظام قادراً على الإيفاء بها فقرروا التفاوض، وإمّا أن الأطراف الدولية تتصارع حقيقة على مناطق نفوذها في سوريا، وعلينا أن نُحسن الوقوف إلى جانب حلفائنا ومصالحنا لكي نكون أقوى، وإمّا شيء آخر .. علينا معرفته، لكي نعرف كيف نبدأ المفاوضات، وكيف نملي شروطنا.
وحتى ذلك الوقت ستبقى المفاوضات عبارة عن إعدادٍ للهزيمة، وستكون المناطق الآمنة هي مناطق مؤجلة التدمير، وسيكون المفاوضون كالحمقى يتسابقون خارج المضمار، .. والثورة التي ستتوقف للراحة ستخبو، ولن تشتعل من جديد.
المدير العام | أحمد وديع العبسي