في ظل غياب أمريكي عن أستانة انعقد مؤتمر الدول الضامنة بالتزامن مع تنفيذ اتفاق التهجير في ريف حمص الشمالي المنطقة التي تعدُّ ضمن مناطق خفض التصعيد، لتعود إلى نفوذ الأسد من خلال “المصالحة الوطنية” حسب تصريح مبعوث بوتين إلى سورية “لافرتييت”
هذه التحولات التي تظهر في الخريطة السياسية والعسكرية داخل سورية تعكس مدى المساومات والتفاهمات التي يجري التوصل إليها بين الأطراف الضامنة التي لا يكون فيها للمعارضين والموالين السوريين أي مكاسب إلا بالقدر الذي تتنازل فيه لحليفها الضامن عن شتى أنواع المصالح بداية من خدمة الارتزاق ومروراً بعقود الطاقة وإطلاق النفوذ ومنح القواعد العسكرية وغيرها.
فعقب أو قبل كل جولة لمحادثات أستانة تتحرك على رقعة الشطرنج السورية مصالح هذه الدول عبر ممثليها وحلفائها ليخرج منها كل الأطراف رابحاً باستثناء السوريين.
مسار أستانة ليس من أجلنا نحن السوريين، إنما هو مسار حلف ثلاثي في تكتله الآني فرصة لمواجهة التحديات الإقليمية والداخلية وعنوانه العريض حل الأزمة السورية.
فالضامن التركي يسعى لدرء الخطر عن حدوده والمتمثل بسيطرة ميليشيات كردية تدعمها واشنطن ترى فيها أنقرة خطراً أمنياً، كما أنها ترغب بإنشاء منطقة آمنة بتفاهمات إقليمية تحدُّ من تدفق المزيد من اللاجئين عبر حدودها، وإستراتيجيًّا تريد الاحتفاظ بعلاقة طيبة مع روسيا تكون بمنزلة ورقة بديلة عن استفزازات الساسة الأوروبيين وخداع واشنطن.
وتسعى روسيا من خلال أستانة إلى استخدام نفوذ الأتراك على فصائل المعارضة للضغط أكثر في مسارات التفاوض ومحاربة التنظيمات التي يعتبرها كلا الطرفين إرهابية، وتعول أيضاً على تركيا في كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها من خلال مدِّ أنابيب الطاقة وتنشيط التجارة والسياحة.
أما إيران التي باتت الحلقة الأضعف نسبياً في أستانة بسبب فشل اتفاقها النووي واستهداف قواعدها بشكل مباشر من الطيران الإسرائيلي فهي تريد الحفاظ على مكتسباتها في سورية عبر تفاهمات إقليمية تحد من مخاطر تدهورها الاقتصادي، وما انسحاب عناصرها التي قصفت نقطة المراقبة التركية من بلدة الحاضر إلا ترجمة عملية لخطب ودِّ أنقرة ورضوخها للسطوة الروسية في مفاصل القرار السوري.
إن تصريحات وزير الخارجية التركي بتغيير مسار جنيف في حال عدم تحقيق تقدم عقب مؤتمر أستانة الأخير هو إشارة واضحة لمساعي الدول الضامنة بأن إستراتيجياتها بخصوص سورية والقضايا الإقليمية من الممكن أن تكون متكاملة ومنسقة، وهو ما ينظر إليه بأنه أقرب للتحالف تحت ضغوط المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية ولمواجهة الحلف الأمريكي في المنطقة.
كما أن استدعاء بوتين للأسد والحديث عن أفق الحل السياسي وتشكيل لجنة دستورية وفقاً لمقررات جنيف يندرج تحت فقرة الضغط لتحقيق أهداف باتت أكبر من نظام الأخير في سورية ومن الممكن أن يقابله أيضاً ضغط تركي على المعارضة.
أستانة القادم سيعقد في سوتشي حسب بيان المؤتمر الأخير، وسيسلط الضوء على ملف المعتقلين واللجنان الدستورية، فهل ستشهد هذه الملفات مساومات بين الأطراف (الضاغطة) على طرفي المعادلة السورية لما هو أبسط حقوق الإنسان السوري.